الأربعاء 24-04-2024 07:34:44 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

اليمن ومسيرة الإصلاح في التاريخ الحديث (الحلقة الثانية)

الإثنين 07 مايو 2018 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبدالعزيز العسالي

 

دخلت اليمن بعد وفاة الشوكاني في نفق مظلم، اجتمع فيه الصراع علي الكرسي بين الحكام من جهة, ومع الأتراك من جهة اخرى . د/ حسين العمري.

 

مــن لاقـــى ســيـــد بايــعــه امــام

 

هذه الجملة كادت تسير مثلا في ظل ذلك الوضع السلالي المقرف، وقد ذكرها صاحب حوليات يمانية كما ذكرها الاكوع -رحمه الله.

صاحب الحوليات هو سائر مع السلالية الى حد التقديس وكلهم اولاد النبي، ومع ذلك لم يستطع يخفي امتعاضه ازاء فوضى تعدد الأئمة والتي في نظره تسببت في قتل اولاد النبي ـ فهو لا يهمه التدمير للمجتمع، فهذا من الامور التي لا تستحق الذكر، وإن تألم أحيانا على المجتمع فلأن القبائل هي التي نهبته وسلبته، اما أنه يتكلم عن الاسباب المتمثلة في فوضى الإمامة التي تثمر العصبية والعنصرية والجهوية وصولا الى حروب داخل احياء المدينة ومحيطها.

نعم لا حديث عن المجتمع المنكود المنكوب الغارق في بحر من الدماء في سبيل سيدي!!

 سجل صاحب الحوليات تقريبا عام 1267 وقبلها وبعدها بيعة خمسة ائمة داخل صنعا ومحيط الصافية وسبطان ــ زبطان ــ والروضة وضلاع وعصر وكوكبان, حيث تواجد الأئمة الخمسة في آن خلال خمسة اشهر! وأحيانا ثلاثة واحيانا سبعة! الغريب ان هذا المؤرخ يكرر عباراته بعد ذكر سلب صنعا ونهبها ووو ان صنعاء محمية بالله، هل يعني ببركة السلالية!!

لاغرابة ان وجدنا آثار هذا التعصب قد انعكست على جوانب الحياة بل وعلى ابعد القرى; ذلك ان كاتب هذه السطور قد ادرك في منطقته آثار هذا التعصب الاجرامي قد طال البيت الواحد المكون من اربع غرف لساكن واحد مع اولاده لكن البيت فيها غرفة تتبع اداريا العزلة ـــ المنطقة المجاورة ـــ للمنطقة الاصلية التي فيها البيت! وكان صاحب البيت يحدثنا ان هذا من تدابير الله وبركة الشيخ والعامل ــ مدير الناحية ــ فقد كان المواطن ينقل اشياءه الثمينة وبقرته للغرفة الجنوبية او العكس بحسب العكفي القادم المتابع لبقايا زكاة المنطقة!!

 

 العماد ــ الامام يحيى حميد الدين:

 

انتهت حقبة الاتراك وتسلم الحكم الامام يحيى ــ العماد ـ هكذا اصطلح السلاليون

ان من اسمه يحيى يلقب بالعماد, واحمد يلقب بالصّفي, وعلي يلقب بالجمالي, والحسن بالشرفي, ومحمد بالعزي, وعبدالله بالفخري.

تطلع الكل الى شيء من العدل وتخفيف الاتاوات والمكوس; كون الامام يحيى عالما كبيرا وابن النبي، والبعض توسم فيه صلاحيته للخلافة العظمى بعد تدمير الخلافة في تركيا!

 

الإمام يحيى يعلن تعصبه الفارسي!!

 

 القاضي العلامة رئيس الجمهورية الثانية ــ عبدالرحمن الارياني -رحمه الله- سجل لنا في مذكراته: ان الامام يحيى كان يخرج يوم الثامن عشر من ذي الحجة احتفاءً بيوم الغدير, مصرحا بالفم المليان: "هذا يومٌ صُقل فيه سيف الخلافة"!!

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لم هذه الجملة? اليس المتعارف هو حسب دعوى السلالية انه يوم الوصية في غدير خم? فما دخل السيف هاهنا? لا تفسير هاهنا سوى ان التاريخ سجل اغتيال الفاروق عمر يوم 18 ذي الحجة بتآمر فارسي, وهذا مسجل في الأدبيات الفارسية الخاصة!

السنا هنا أمام ثقافة فارسية فجة وتعصب مقيت?!

اذن لن تتملكنا الدهشة اذا وجدنا الزبيري -رحمه الله- يخاطب الامام يحيى قائلا:

 

  من أين يأتيك العدو وانت في    ارض تكاد حجارها ان تتشيعُ?!

لا يمكن لشاعر ومفكر ومصلح بحجم الزبيري ان يقول هكذا الا وهو يدرك عمق التعصب السلالي المنتن!!

 

الـمــدرســـة الـــعـــلــمــية

 

تم انشاء المدرسة العلمية لهدف تاهيل القضاة والموظفين لتحسين اداء المهام , وكانت الكتب تصل الى المدرسة العلمية من مصر ولبنان ومن هذه الكتب مجلة المنار فقد كان صاحبها رشيد رضا من رواد النهضة والذي بلور التأصيل المقاصدي ــ المصالح ــ عبر هذه المجلة، كما ظهرت صحيفة البريد الادبي وصحيفة الايمان الصادرة عن وزارة المعارف ــ التربية والتعليم ـ وكانتا متنفسا لتناول القضايا بقوالب ادبية ـ غير ان الاخيرة تم اغلاقها بقرار سياسي كونها تناولت قضايا لا تروق للسلالية السياسية.

باختصار:

كانت هذه محركات للفكر والثقافة فانتقلت مسيرة الاصلاح الى الطور التالي:

 

مــســيـــرة الاصــلاح في طور جديد

 

كان رواد الاصلاح ــ الزبيري والنعمان والحورش وغيرهم من الوجهاء والقضاة والعلماء- وهم يستشرفون مسيرة الاصلاح وما نوع الخطاب الاكثر تاثيرا داخل النخبة والقبيلة الغارقة في الجهل المنغلقة بالتعصب?! فكان منهم ان ينبشوا في كتب الرواد الأوائل ــ الذين ذكرناهم في الحلقة السابقة.

كان الزبيري ينوب احيانا خطيب الجامع الكبير ويتحدث عن الرواد المصلحين المنتمين الى آل البيت وغيرهم ، ناقلا اقوالهم كبرهان علي ان عدم التعصب عند اولئك المصلحين ـ والهدف هو الوصول الي اقناع المجتمع بصواب مسيرة الاصلاح وانها ليست دعوة ناصبية!

 

بـــرنـــامــــــج الاصــــلاح

 

تبلور الحراك الثقافي لمسيرة الاصلاح في صورة برنامج يحتوي قرابة 48 مادة مصحوبة بلين العبارة ودعوة لإحياء شرع الرسول في العدل والتعليم الخ،

غير ان العماد يحيى قابله بالأذن الطرشاء بل لم يقف الامر هاهنا وانما اعتقالات ومطاردات وتهديد ووعيد وكان الشهيد الاول الشاب الصنعاني محمد عبدالله المحلوي رحمه الله ـ الذي مرض في المعتقل حتى وهيَ جسده وخارت قواه ومات رحمه الله وهو ممقوت بين العامة!

 

ولــي الـــعـــهـــد بــتــــعــــز احــمـــد ياجـــنــاه

 

كان يغازل السلطة بعد وفاة ابيه باحثا عن متكأ فاظهر انه مع الإصلاح والتجديد فلجأ اليه رواد الاصلاح النعمان والزبيري والوشلي والموشكي والكبسي وغيرهم، وهنا ظهرت مدائح الزبيري والتي قيل انه سماها فيما بعد بالوثنيات ـ ست قصائد قدمها الزبيري في مناسبات الأعياد الدينية وربما غيرها وهدف رواد المسيرة الإصلاح من الداخل فلا وجود لشيء اسمه عنف او انقلاب! إصلاح من الداخل ـ كان احمد ياجناه يلقي بالمواعيد على المستقبل قائلا لرواد المسيرة سيكون كل ذلك بعد وفاة الامام يحيى!

 

تـــعــصــــب ســلالــي غـــريــــــب

 

في عام 1944 ظهر اول كتاب في اليمن للقاضي احمد قاسم العنسي مطبوع في اربعة مجلدات (التاج المُذهَبْ) وهو في الفقه الهادوي ولا جديد فيه اللهم الا انه حذف الحواشي وخفف التفريعات المملة ــ تلخيصا ليس الا ـ ولاقى هذا الكتاب تقاريض ــ مديح- من العلماء والقضاة وانه خطوة في طريق الاصلاح!! فهل ادرك المصلحون ان اصابع السياسة كانت خلف اخراج هذا الكتاب فنسبوا اليه عن عمد ما ليس فيه وقوّلوه مالم يقل!

وماذا عن التعصب الغريب الذي اورده مؤلف الكتاب في باب الكفاءة في الزواج؟

قال المؤلف:

ولا يجوز لمن كانت من سلالة الحسين ان تتزوج بشخص من سلالة الحسن!! السبب ان الحسن تنازل عن حقه في الحكم لمعاوية، اما الحسين فقد جالد عن حقه وقتل! وهل هذا من شروط الزواج؟ ام من أركان العقد والإيجاب والقبول؟ ان هذا يذكرنا بذلك الدخيل على الفقه الذي قال: حديث الاعمال بالنيات الخ ـ فيه دليل على تحريم الخمر!

ان حاكما يسمح لظهور كتاب يحمل هذا التعصب الغريب داخل البيت الواحد كفيل بان يقلب ظهر المجن ضد كل من هو مصلح وما هو اصلاحي مهما كانت وسيلة الاصلاح سلمية وشرعية ودينية! وهل للطغيان السلالي دين غير عبادة الذات?!

 

عــــدن مــحـــطـــة انــطـــلاق مـســيرة الاصــلاح

 

الطغيان ملة واحدة وان اختلفت مظاهره واشكاله , ذلك ان الاحتلال البريطاني رفض اقامة حزب معارض للمملكة المتوكلية وانتهى الامر باقامة

( الجمعية اليمانية) ليكون النشاط لرواد المسيرة الاصلاحية تحت مظلة الجمعية.

الجدير ذكره والذي يجب ان يسجل ان معظم رواد المسيرة الاصلاحية الاوائل

كانوا من رجالات المذهب الزيدي الهادوي ومن سلالة ــ الآل ــ وكان روح الفريق الواحد راسخا ـ اللهم سوى مخاوف الزبيري التي ظهرت في معارضة النعمان حول مصادر التمويل ـ فالنعمان كان يدرك خطورة انكشاف مصادر التمويل والتي كانت من تجار تعز فلم يتمالك الزبيري مشاعره وبدا يساوره شك ان تكون بريطانيا هي الممول ـ غير ان النعمان قال انكشاف الممولين يعني تدمير منازلهم وتشريد اهاليهم ومصادرة اراضيهم ـ ولم يقتنع الزبيري الا بعد انتقاله مع النعمان وشاهد العطاء مع إبداء التخوف.

 

   الـــفـــضـــيل الــو رتــلانــي

 

 وصل الاستاذ الورتلاني الي تعز تحت مظلة مندوب شركة تجارية، والورتلاني من رجالات الاخوان المسلمين في مصر، جاء الى تعز وظل اشهرا تمخض لقاؤه مع رواد الاصلاح حول ضرورة التغيير السلمي وضرورة وجود دستور تحت توقيع العلماء والوجهاء ينص على نقل الحكم من اسرة حميد الدين الي اسرة اخرى من سلالة آل البيت؛ لأن المجتمع متشبع بثقافة حكم السيد كما نص الدستور علي اقامة العدل واصلاح الوضع التعليمي والصحي الخ ـ ورفض الجهوية والمذهبية والطائفية الخ من انواع التعصب.

لست هنا مؤرخا وانما احاول تقديم تحليل مدعوم قدر الامكان بان مسيرة الاصلاح كانت ضد العنف وضد السلالية وكانت هذه من الامور المسلّمة عند رواد الاصلاح.

 

   الــلــــــغـــز الــمــحـــيّـــــر!

 

كان الاتفاق بين الموقعين على دستور ثورة 48 ان يتم اخفاء الامر حتى يموت الامام يحيى، فما الذي حصل؟

ايا كانت الاسباب والتحليلات: فقد كانت المفاجأة قتل الامام يحيى ثم تلاها اعلان الثورة الدستورية..احمد ياجناه الذي خادع الجميع وانقض على الثورة وحاصر صنعاء، فقد كانت حركته بلباس طائفي مذهبي جهوي سلالي بحت!

لقد جنّد قبائل يام وحجة وعبس وحاشد وشهارة مستغلا ظلامة مقتل الامام العجوز من الدستوريين الكفرة ـ وانتم حماة المذهب!! لن يرضى عنكم الإمام الحي والقتيل والله والرسول وعياله ـ أبحت لكم صنعاء، وماذا عن تعز والحديدة واب؟ قطعا لابد من كسر النفوس واهانتها واعلان يتم من خلاله ترسيخ يوم وعام الامام الشهيد!!

فلقد انتشر الخطاط ــ حملات القبائل ــ التي تفرض اتاوات وتغذيه مع سلب ونهب والعبث بما تبقى من ممتلكات كل من ليس بسيد ـ هذا كلام تلقيناه من الآباء ان الامام منع اي مساس ببيوت السادة في ريف تعز واب فكانت بيوت السادة هي الملاذ الآمن والحضن الدافئ لبقية المجتمع الذي يحدثنا ممتنا حامدا لله الذي اوجد الامام واوجد السادة!!

 

ا لخلاصة والنتائج:

 

كانت الضريبة للثورة الفاشلة: عشرات الرؤوس من ابناء المنطقة الزيدية،

وكانت ضريبة تعز الشخصيتان الممولتان: الخادم الوجيه والكباب.

الاستنتاج :

كان رواد مسيرة الاصلاح تجمعهم فكرة التغيير، وكان اغلبهم من سلالة ال البيت ومن ابنا المنطقة الزيدية.

كانت المساواة حاضرة بين رواد الاصلاح على المستوى النظري والعملي.

التعصب بأنواعه كان معدوما وسط رواد المسيرة ـ وتم تقديم المال دون بكل ثقة , ضربت الأعناق دون تمييز، وملئت السجون بكل رواد الاصلاح بمختلف طبقاتهم.

 

احــــمــد يــــاجـــنــــاه يـكـــشــف عن تـــعــصــب اعــمــى

 

تكريسا للسلالية ورفضا لأدبيات مسيرة الإصلاح بل ودفنها واحلال السلالية بطرق عدة الي جانب ما سبق ذكره.

اتجه الامام احمد الى التحريف الفكري والثقافي لاعمال المصلح الشوكاني، حيث طلب من المسؤول عن فهرست مكتبة الجامع الكبير ــ ان يعطيه نسخة السيل الجرار للشوكاني بهدف الاطلاع ـ وبعد اشهر أعادها كما هي وكان الملك المتعصب قد حذف كل ما قرره الشوكاني كمذهب له وأبدله بالأقوال الهادوية وختم النسخة بختم مزور وأعادها.

وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر حضر وفد الازهر متعطشا لمعرفة مذهب الشوكاني الذي قرره آخر عمره فكانت الصدمة ان الكتاب قدتم تزويره! غير ان الله اراد الخزي للمتعصبين حيث كان احد رجالات كوكبان حفيدا لأحد تلاميذ الشوكاني ــ والذي يمتلك نسخة اصلية بخط وختم الشوكاني فأحضرها وأعطى وفد الازهر صورة ورفض عرضا ازهريا مغريا يومها مقابل تنازله عن النسخة الأصلية مبلغ 2 مليون ريال يمني يومها.

استمرت مسيرة الإصلاح في النشاط وتقديم الشهداء والتعرض للمعتقلات والتشريد

علي نفس الخط الاصلاحي السلمي ورفض التعصب بأنواعه حتى عام 1961م وكانت المفاجأة الأخرى تصرف ثلاثة عسكريين قرروا اغتيال الامام في مشفى الحديدة والعسكريون الثلاثة ينتمون جغرافيا الى المنطقة الزيدية لكنهم انسانيا وثقافيا ينتمون الي اليمن ارضا وإنسانا.

 

وماذا عن ثورة سبتمبر؟

 

هذا هو حديثنا في الحلقة القادمة ـ