السبت 20-04-2024 08:08:04 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التطرف الطائفي للحوثيين.. وخطره على هوية اليمن وأمن الخليج

الثلاثاء 27 مارس - آذار 2018 الساعة 04 مساءً / الإصلاح – خاص – عبدالسلام قائد
 

 

تتعدد مظاهر التطرف الطائفي لجماعة الحوثيين في اليمن، المدعومة من إيران، لتشمل التطرف الديني والتطرف السياسي، وما يرافق ذلك من جهود كبيرة تبذلها الجماعة لنشر مذهبها الاثنى عشري في المحافظات التي تسيطر عليها، وتعمل في نفس الوقت على محاصرة والتضييق على المذهب الديني السني للآخرين المخالفين لها، مما يشكل خطرًا كبيرًا على الهوية الدينية للشعب اليمني، والتسامح المذهبي.

كما أن هذا التطرف يشكل خطرًا كبيرًا على أمن واستقرار دول الخليج، التي توجد فيها أقليات شيعية قد تتأثر بالتطرف المذهبي للحوثيين، خاصة في حال حقق الحوثيون مكاسب سياسية وغيرها بشكل مؤثر في مستقبل اليمن.

وتهدف جماعة الحوثيين من وراء تطرفها الطائفي إلى استخدام الدين كوسيلة فعالة، في بيئة قبلية تتسم غالبًا بالجهل، لتحقيق مشروعها السياسي المتمثل في السيطرة المطلقة على السلطة في اليمن، بذريعة أنها حق إلهي مطلق خاصًا بها وفقًا لمعتقدات دينية تعمل على نشرها.

كما أن ذلك سيساعدها على تحقيق أحلام وطموحات إيران التي نصبت نفسها كزعيمة للطوائف الشيعية في العالم العربي والإسلامي، وبما يساعدها على تصدير ثورتها الخمينية (الطائفية) إلى العالم العربي، بغية السيطرة على ثرواته واستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي دمرها العرب أثناء حركة الفتوحات الإسلامية.

- مظاهر التطرف

هنالك الكثير من مظاهر التطرف لجماعة الحوثيين، والتي بدأت منذ تأسيس الجماعة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت تطلق على نفسها "تنظيم الشباب المؤمن"، حينها بدأت الجماعة بإنشاء حلقات خاصة للتعليم الطائفي الخاص بها، وعملت على إهمال التعليم الديني الرسمي، بدأ ذلك على يد مؤسسيها الذين تلقوا تعليمًا طائفيًا في إيران، وبعد ذلك بدأت الجماعة برفع شعارات سياسية إيرانية، مثل شعار "الصرخة" وغيره.

ثم اشتدت وتيرة الخطاب الطائفي للجماعة أثناء حروب صعدة الست بين مسلحي الجماعة والقوات الحكومية، لكن هذه الحرب لم تحسم المعركة ضد الجماعة، بسبب توظيف الرئيس الراحل علي صالح لها للتخلص من بعض القادة العسكريين البارزين وبعض ألوية الجيش التي لا تدين لعائلته بالولاء المطلق.

وظلت حدة التطرف الطائفي لجماعة الحوثيين تزداد تدريجيًا، حتى وصل التطرف ذروته بعد أن تمكنت من السيطرة على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، وكانت بداية التطرف الحاد عندما أقدمت الجماعة على محاصرة طلاب مركز دماج العلمي في محافظة صعدة، واندلاع مواجهات مسلحة بين الجماعة وطلاب المركز، وانتهى الحصار بالرضوخ لمطالب الجماعة بتهجير طلاب وشيوخ المركز من صعدة.

وبعد أن تمكنت الجماعة من السيطرة على محافظة عمران وبعض المناطق المجاورة لها، أقدمت على تفجير المساجد ومراكز تعليم وتحفيظ القرآن الكريم التابعة لأتباع المذهب الشافعي السني، كما اعتقلت وسجنت عددًا كبيرًا من خطباء المساجد وأساتذة تحفيظ القرآن الكريم، بذريعة أنهم وهابيون ودواعش وجماعات تكفيرية، وغير ذلك من التهم الساذجة التي تبرر بها أفعالها الطائفية الإجرامية.

وكررت نفس الأمر في عدة محافظات بعد أن سيطرت عليها، ولم تتوقف عن تفجير المساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم إلا بعد أن تصدى لها الأهالي عدة مرات، بسبب أن تفجير المساجد في المدن والمناطق المكتظة بالمباني والسكان سيتسبب بالتدمير الجزئي أو الكلي للمنازل المجاورة لها، وبعضهم اضطروا لدفع مبالغ مالية طائلة للجماعة لكي تتوقف عن تفجير بعض المساجد حتى لا تتضرر منازلهم.

لكن توقف الجماعة عن تفجير المساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم لا يعني أنها تركتها على حالها، ولكنها أقدمت على تغيير خطبائها والقائمين عليها، واحتلت مراكز تحفيظ القرآن الكريم وحولتها إلى مقار لها تعقد فيها الاجتماعات، كما حولت بعض المساجد إلى مخازن للسلاح أو أماكن للمقيل ومضغ القات.

كما تقوم الجماعة بكتابة خطب أسبوعية وتوزعها على خطباء المساجد لإلقائها يوم الجمعة، وجميعها خطب سياسية وطائفية، وتعممها أيضًا حتى على من تبقى من خطباء ليسوا من بين صفوفها أو ممن لا يتبعون مذهبها.

وفي نفس الوقت، تمارس التضييق على خطباء المساجد من أتباع المذهب الشافعي السني، وتفرض عليهم إملاءاتها مثل الدعاء على ما تسميه "العدوان" والترويج للجماعة ومشروعها ومدح زعيمها عبدالملك الحوثي. وفي شهر رمضان تمنع نقل صلاة التراويح عبر مكبرات الصوت، وأحيانًا تمنع إقامة صلاة التروايح بكلها بذريعة أنها بدعة.

هذا التضييق على أتباع المذهب الشافعي السني الذي يتبعه الغالبية العظمى من سكان البلاد، يقابله عمل ممنهج لنشر مذهب الجماعة، عبر خطب الجمعة، ووسائل الإعلام، وتغيير مناهج التعليم الرسمي بمناهج طائفية، وإقامة دورات طائفية تستهدف جميع الضباط والعسكريين الذين يقاتلون معها وأيضًا المقاتلين القبليين في صفوفها، كما تستهدف الدورات الطائفية مشائخ القبائل وموظفي الدولة وبعض طلاب المدارس والمجندين الجدد في صفوفها وغيرهم.

وشمل التطرف الطائفي للحوثيين كافة مناحي الحياة، حتى الاقتصاد وأقوات الناس، ذلك أن الفكر المذهبي للجماعة، الذي يبيح نهب أموال المسلمين السنة، باعتبارها ملكًا لمن يزعمون حق الوصاية والولاية ، دفع الجماعة إلى التضييق على التجار، والاستئثار بتجارة الواردات، ونهب القطاع الخاص والتجار والمزارعين والمواطنين من خلال فرض الإتاوات الباهظة، بذريعة "دعم المجهود الحربي".

هذا بالإضافة إلى نهب كافة إيرادات الدولة في المحافظات التي تسيطر عليها الجماعة، ونهب رواتب موظفي الدولة، وفرض مبالغ مالية كبيرة كجمارك وضرائب على السلع المستوردة، وخاصة المواد الغذائية الضرورية، ونهب المساعدات الدولية ونهبها وبيعها في السوق السوداء.

كما أن الجماعة تعمل على نشر والترويج لتوجهاتها الطائفية بشكل مبالغ فيه من خلال الشعارات واللافتات التي ملأت بها جدران المنازل والمنشآت الحكومية والمساجد والمدارس والشوارع وطرق النقل الطويلة بين المدن، وشوهت كل المعالم الأثرية والتاريخية بشعاراتها الطائفية الاستفزازية.

- الدعم الإيراني

ويحظى التطرف المذهبي لجماعة الحوثيين بالدعم الإيراني اللامحدود، والذي يشمل الدعم المادي والإعلامي وتهريب السلاح وإرسال خبراء عسكريين متخصصين في تطوير وصيانة الأسلحة الثقيلة، وتركيب قطع الأسلحة التي يتم تهريبها من إيران بعدة وسائل، بما فيها الصواريخ البالستية التي تطلقها الجماعة بين الحين والآخر باتجاه الأراضي السعودية، أو باتجاه مواقع الجيش الوطني والمناطق المأهولة بالسكان التي لا تسيطر عليها الجماعة داخل اليمن.

أما دوافع إيران لتقديم الدعم اللامحدود للحوثيين، وتشجيعهم على التطرف الطائفي، فإن ذلك يأتي لاعتقاد إيران بأن مشروعها الطائفي التخريبي والتوسعي لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان عنيفًا ومتطرفًا.

وﻟﻠﻴﻤﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﻳﺮﺍﻧﻴﺔ، ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻣﺤﻮﺭ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ حول ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ‏"ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴﻔﻴﺎﻧﻴﺔ"، ﺍﻟﺘﻲ ﺭﻭﺝ ﻟﻬﺎ رجل الدين ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻜﻮﺭﺍﻧﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ‏"ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ"، ﻭﺗﺘﻤﺤﻮﺭ ﻓﻜﺮﺗﻪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﺛﻮﺭﺓ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ، ﻭﻭﺻﻔﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ‏"ﺃﻫﺪﻯ ﺍﻟﺮﺍﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ".

ﻭﺗﺤﺪﺩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺸﻴﻌﻴﺔ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﺑﺄﻧﻪ ‏"ﻣﻘﺎﺭﺏ ﻟﺨﺮﻭﺝ ﺍﻟﺴﻔﻴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﺟﺐ، ﺃﻱ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﺑﺒﻀﻌﺔ ﺷﻬﻮﺭ"، ﻭﺃﻥ ﻋﺎﺻﻤﺘﻬﺎ ﺻﻨﻌﺎﺀ، ﺃﻣﺎ ﻗﺎﺋﺪﻫﺎ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺑﺎﺳﻢ ‏"ﺍﻟﻴﻤﺎﻧﻲ"، ﻓﺘﺬﻛﺮ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺃﻥ ﺍﺳﻤﻪ ‏"ﺣﺴﻦ " ﺃﻭ ‏"ﺣﺴﻴﻦ"، ﻭﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺫﺭﻳﺔ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ.

كما أن لليمن خصوﺻﻴﺔ تاﺭﻳﺨﻴﺔ بالنسبة لإيران، تتمثل ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﻻﻳﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻺﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.

هاتان ﺍﻟﺨﺼﻮصيتان ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﺪﻓﻊ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ، وجعل جماعة الحوثيين رأس حربة لتحقيق هذا الهدف، وتشجيعها على الغلو والتطرف الطائفي، باعتبار ذلك الوسيلة الأفضل لتحقيق أهدافها في أسرع وقت ممكن.

- أخطار عابرة للدول

يشكل التطرف الطائفي للجماعات والمليشيات الشيعية في العالم العربي، من بينها مليشيات الحوثيين، خطرًا كبيرًا على أمن واستقرار المنطقة، وذلك بسبب الولاء المطلق من قِبَل هذه الجماعات للطائفة وقيادتها المركزية في إيران، وهو ولاء مقدم على الولاء للدولة القومية، أو الوطن الأم، ويعود ذلك إلى أن المشروع السياسي لمختلف هذه الطوائف هو مشروع موحد، ويلتف حوله جميع الشيعة، سواء المحافظين أو العلمانيين. ولهذا، فالتطرف الطائفي لجماعة الحوثيين يشكل خطرًا كبيرًا على اليمن وعلى دول الخليج بشكل عام.

فبالنسبة لليمن، يكمن خطر تطرف الحوثيين في أنه يصطدم بالهوية الدينية والثقافية والسياسية للشعب اليمني، وتزداد حدة الخطر نتيجة تمكن مليشيات الحوثيين من نشر فكرها ومذهبها الطائفي المتطرف في أوساط القبائل التي ينتشر فيها الجهل بنسب كبيرة، وهذا الأمر لا شك أنه سيكون له ردة فعل عنيفة مستقبلًا ستؤثر على اليمن والخليج، إذا لم تحسم المعركة مع الحوثيين بأسرع وقت ممكن.

أما بالنسبة لدول الخليج التي توجد فيها طوائف شيعية، فالمخاوف تكمن في أن تنتقل عدوى التطرف الطائفي للحوثيين إليها، مما قد يدفعها إلى محاولة التمرد على السلطات هناك، بغية تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، خاصة في حال حصلت على وعود بالدعم من قبل إيران ومن قبل المليشيات الشيعية في العراق وسوريا ولبنان، وسيزداد هذا الخطر في حال أن الحوثيين حققوا مكاسب سياسية كبيرة في اليمن مستقبلًا.

ويكمن حل كل ذلك في استئصال خطر التطرف الطائفي للحوثيين من جذوره، والقضاء التام على المليشيات المسلحة التابعة للجماعة. وفي حال تحقق ذلك، فإنه سيكون أول خطوة لهزيمة المشروع الإيراني التخريبي في العالم العربي. وإذا لم يتحقق، فإن ذلك يعد استسلامًا للمشروع الإيراني التوسعي، وهو ما سيفتح شهية إيران وعملائها لمواصلة التوسع والأعمال التخريبية في كل بلاد توجد فيها طوائف وأقليات شيعية.