الجمعة 19-04-2024 21:43:33 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

جمعة الكرامة.. جذور العنف!

السبت 17 مارس - آذار 2018 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان

   

سبع سنوات مرت على مجزرة جمعة الكرامة, في 18 مارس/ اذار 2011م, واحدة من أبرز المعالم في تاريخ الثورة, والى كشفت عن طبيعة نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح, وسلوكه الدموي العنيف في قمع الاحتجاجات المناوئة لسياساته إبان الاحتجاجات المطالبة بإيقاف التوريث وإنهاء التمديد وإيقاف الفساد والمحسوبية في الوظيفة العامة ..الخ!

يمكن القول إن النظام السياسي في اليمن, بعد الانتخابات الرئاسية 2006م, والمنافسة الشديدة بين مرشح المعارضة المهندس فيصل بن شملان (1934م - 2010م) وبين مرشح الحزب الحاكم علي عبدالله صالح, قد تركت أثاراً عميقة من الخلاف, وسوء التوجس, وألقت تلك المحاولة في كسر النفوذ بضلالها على كثير من الأحداث بعد ذلك!, بل سيدخل النظام في حرب وجودية مع المعارضة, كون تنامي قوتها بذلك الزخم الشعبي والذي يقوض شعبيته صالح, ويضعف أي توجه نحو التمديد في السلطة  أو التوريث لنجله أحمد وهما الهدفان المتداخلان معاً في نفس الوقت!

 

العنف السياسي في اليمن

 

ثمة اتفاق عام بين أغلب الباحثين أن العنف يصبح سياسياً عندما تكون أهدافه أو دوافعه سياسية، على الرغم من الاختلاف بينهم في تحديد طبيعة ونوع هذه الأهداف، وطبيعة القوى المرتبطة بها. ولذلك فمعظم الباحثين يعرِّفون العنف السياسي بأنه "استخدام القوة المادية، أو التهديد باستخدامها، لتحقيق أهداف سياسية". ويقترب من هذا المعنى تعريف بول ويلكنسون، الذي عرَف العنف السياسي بأنه "استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين، لتحقيق أهداف سياسية". كما عرفه شانغ سياهن بأنه "استخدام القوة المادية لتحقيق أهداف سياسية". وحدده باحث آخر بأنه كافة أعمال الشغب والأذى والتدمير، التي يُقصد منها تحقيق أهداف سياسية(1).

 

سياسة العنف المفرط

 

لفهم طبيعة النظام السياسي الذي رافق البلاد لثلاثة عقود, من المهم العودة به إلى الجذور, إلى اللحظات الأولى التي اعتلى فيها السلطة, إلى المرحلة الأولى التي وضعت أولى أقدامه على عتبات السلطة الفعلية, وعبرها يمكن فهم وسبر أغوار مسيرة النظام بعد ذلك!, أو فهم مساراته في العمل السياسي على مدى الفترة التي بقي فيها حاضراً متحكماً في السلطة!

كان مقتل الرئيس السابق لليمن المقدم إبراهيم محمد الحمدي (1943- 1977) خطوة بارزة في انتهاج العنف للوصول الى السلطة, أو تصفية حسابات السلطة بطريقة العنف, ورغم أنه لم يكشف حتى الآن رسمياً أو من جهة محايدة من يقف خلف هذا الاغتيال, إلا أن شهادات عدة وأصابع الاتهام كانت تشير الى الرئيس السابق علي عبدالله صالح, من يقف خلف الحادثة, مع وضوح أن الدولة من ذلك التاريخ وحتى رحيل صالح, أهملت هذا الملف تماماً, ولم تقم بأي تحقيق أو محاولة عن الجناة.. إذا لم يكن الأمور قد سارت على طريقة أخرى, متمثلة في طمس معالم كل ما انتجه النظام العسكري في ثلاث سنوات ونصف هي فترة بقائه حاكماً على اليمن, وهي التي شهدت فيها البلاد استقراراً اقتصادياً ملحوظاً في فترة قياسية, غير أن الاستقرار السياسي لم يتعزز, فانتهى الأمر باغتياله والمجيء بنظام سياسي جديد, انقلب على الحركة التصحيحية التي قام بها الحمدي في أبعاد التغول القبلي عن الدولة, وتنمية الجيش والاهتمام بالاقتصاد وإعادة العلاقة وإصلاحها بين الشمال والجنوب, فقد اغتيل قبل موعد سفره الى عدن عاصمة القطر الجنوبي بيومين فقط!

 

جذور التوجه نحو العنف

 

مواجهة الانقلاب الناصري 1977م

بعد أقل من ثلاثة اشهر فقط على تولي علي عبدالله صالح رئاسة البلاد خلفاً للحمدي, فشل أول انقلاب أقيم ضد نظامه الوليد قاده ضباط ناصريون بتاريخ 15 اكتوبر/ تشرين أول 1978م, فقد تولى السلطة والأوضاع في البلاد في حالة من الضعف والاضطراب بسبب أحداث تمرد وحرب المناطق الوسطى، وستسفر تلك المحاولة عن حدوث جملة من الاعتقالات والإعدامات الجماعية, التي وجُهت للقائمين بالانقلاب ومن يقف خلفهم, في محاكمات عسكرية عاجلة وغير معلنة, كما أن الحزب الناصري الذي توسع ايام العمل السري, وبسبب الضربات التي وجهت له انكمش بعد تلك الحادثة وتتابع ذلك الانكماش, وطاله التمزيق وهي الطريقة التي أجادها النظام لتفتيت تلك المحاولة من العودة في المستقبل! 

استقرت نظام السلطة نسبياً في البلاد, وتم إخماد التمردات والحروب داخل عدد من المناطق الوسطى(2) وغيرها من التي كانت تغذى داخلياً وخارجياً, غير أن النظام السياسي ذاته, وبدلاً من أن يسير نحو التنمية.. سار في طريق مغاير تماماً, يقوم على فكرة الحفاظ على السلطة وانتهاج سياسة العنف, ولكن هذه المرة في دوائر - مغلقة - بعيداً عن محيط السلطة في محاولة لإضعاف كل الخصوم السياسيين الحقيقيين والمفترضين!, وستمر فترة ثلاثة عقود من حكم الفرد, وقد رافق اليمن مئات بل آلاف من الحروب التي نشبت في أغلب المحافظات تقريباً, تارة بين القبائل وأخرى مع الدولة وثالثة وبين المكونات السياسية والاجتماعية, وكلها ستفضي نحو مزيد من العنف المسيطر عليه, والحد من التنمية بل القضاء عليها, وإبقاء اليمن خارج المعادلة السياسية الدولية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

 

دموية النظام في مواجهة سلمية التغيير

 

كشفت جمعة الكرامة ما يحمله النظام من دموية وعنف, فقد تراكمت المخاوف لدى السلطة من أي تغيير أو حتى مطالبة به, ورغم أن صالح انتهج سياسات غاية في المراوغة والخداع وتصفية الخصوم بطريقة احترافية, فإن ثورة 11 فبراير قد اربكت حساباته تماماً, ولم تعطيه الفرصة الكاملة كي يناور حسب العادة, ففي كل الحروب والمعارك السياسية أثناء فترة حكمه كان هو المتحكم بها وهو الذي يشرف عليها, ويحدد طبيعة نتائج المعركة, غير أن طبيعة ثورات الربيع العربي نفسها, قد أدخلت النظام السياسي كله في المعترك مع الجمهور وهي المرة الأولى التي تفشل حساباته السياسية, إما في التنبؤ أو التعاطي باحترافية أو في احتواء الثورة في بداية الأمر!, وبالتالي كان العنف هو الخيار الذي عبره يمكن أن يوقف زحف الاحتجاجات, ويضع حداً لها.

ولذلك: فالمسار السلمي الذي انتهجه شباب الثورة كان اكثر ارباكاً للنظام, فهذا المسار لم تعمل به الأنظمة القمعية, كونه ينتمي الى عالم الدول الديمقراطية, وبما أن الأنظمة شكلية واتخذت من الديمقراطية مظهراً للخداع والتزييف والبقاء في السلطة, فقد كانت السلمية عامل إرباك للنظام السياسي, وقد عمل بكل وسعه ومعه آخرون في نقل المعركة من الجانب السلمي الى الجانب العسكري, وهنا سيجد النظام قدرة على المناورة واستعمال كل ادوات القمع والإرهاب, وسيرحل من السلطة بل سيقتل بذات العنف الذي اشرف عليه لسنوات!

سياسة العنف المفرط لم تتوقف لحظة من الصعود الى السلطة, وكشفت عدد من الأحداث تورط النظام السياسي بتلك الأحداث, وحتى حرب 94م التي حسمت لصالح الشرعية, فقد اعقبها عمليات تصفية لكوادر الحزب الاشتراكي, في شوارع العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى, وسوف تستمر تلك الطريقة في مواجهة القوى السياسية, وستنشط بعد ذلك ضد الإصلاح وخاصة بعد جمعة الكرامة, فثقل الحزب الذي انحاز للثورة ولخيارات الشباب, سيدفع ثمناً كبيراً لا يزال حتى اليوم.

 

خطيئة الحصانة 2011

 

ساءت التقديرات لدى أحزاب اللقاء المشترك – الحامل السياسي المفترض للثورة - بخصوص منح علي عبدالله صالح ونظامه السياسي حصانة من الملاحقة القانونية(3), وتركت فيها ثغرات كانت السبب في الانقضاض على العملية السياسية والمبادرة الخليجية بالكامل, وكانت الحصانة أشبه بحصان طروادة, وبقدر ما كانت تلك الجريمة مناسبة لوضع حد نهائي للعنف وتسهيل عملية انتقال السلطة والشروع في تنفيذ ما تبقى من المبادرة الخليجية, بقدر ما فتحت الباب واسعاً أمام جرائم وانتهاكات جسيمة, تصبح حادثة جمعة الكرامة أمامها لا شيء, وسيسقط من القتلى والجرحى بعد ذلك بالآلاف في عموم محافظات الجمهورية!

 كانت خطورة الحصانة أنها أعطت صالح قدرة على المناورة التي فقدها أبان الثورة, وحوصر مباشرة بعد جمعة الكرامة, وستعمل الحصانة على إعطائه فرصة أكبر للمناورة, وسفك الدماء وارتكاب مجازر لا تقل فظاعة عن مجزرة جمعة الكرامة, وسيكون الإتيان بمليشيات الحوثيين الى العاصمة ونسج تحالف جديد معهم, وتسليم مقدرات الشعب من المعسكرات وارث الدولة!, هي الخطوة الأهم التي سيصل الانتقام مداه, وسترتكب هذه الجماعة من الجرائم والانتهاكات الكثير, بحيث لا يمر اسبوع إلا واليمن تعيش كارثة أو مجزرة وخاصة في مدينة تعز والتي شهدت عشرات الجرائم والمجازر بحق الاطفال وكبار السن, وكانت الأسواق والمساكن ومناطق مأهولة بالسكان هي مسرح تلك الانتهاكات المروعة.!

 

تحالف الفرصة الأخيرة

 

كانت إحدى مقررات نتائج الحوار الوطني إقرار العدالة الانتقالية, والتحول الى نظام أقاليم, الأولى هي النافذة التي عبرها سيتم تعويض الضحايا والاعتراف بالانتهاكات التي مورست عليهم, وإغلاق ملف الماضي, وقبله اعتراف الجاني وطلب السمح وسلسلة من التعويضات بعد ذلك, فهي الطريق الآمن نحو المستقبل!

 لقد كانت هذه الفكرة مرعبة للنظام, وسيأتي في المرتبة الأولى قبلها من الخطورة توزيع نفوذ الدولة ونقله من العاصمة "المركز" نحو الأطراف والوسط, بما يسمى بنظام الأقاليم, وهي الفكرة التي كان يرفضها صالح مطلقاً, كونها ستنهي أي حلم بالعودة الى السلطة مرة ثانية, وهو الذي كانت تأتيه وعود بعودته بأي طريقة. كما أن نظام الأقاليم سيبدد مشروع الحوثيين الى الأبد, وهنا تقاطعت المصالح بين الطرفين, وسينتج عنه تحالف انبثقت عنه حروب دموية ومجازر لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم!

...................... 

هوامش:

1-   الموسوعة الحرة.

2-   حرب الجبهة أو حرب المناطق الوسطى هي حرب بالوكالة قامت في الجمهورية العربية اليمنية بدعم من الحزب الاشتراكي في الجنوب، وكانت في المناطق الوسطى في اليمن ( تعز - إب - البيضاء - ذمار - ريمة وغيرها) ، كان تدهور الظروف المعيشية وتفشي الظلم وحرمان الناس من خدمات الثورة والجمهورية من أهم الأسباب التي دفعت المواطنين للانضمام للجبهة. وبالرغم من أن بعض الكتابات ترجع البدايات الأولى لأحداث المناطق الوسطى إلى فترة الستينيات. إلا أن المرحلة الأهم في نشاط الجبهة كانت في الفترة التي أعقبت مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي، ومع تولي علي عبد الله صالح الحكم في 17 يوليو 1978، وقد امتد نشاطها الملتهب نحو خمس سنوات.

3-   قانون الحصانة للرئيس السابق علي عبد الله صالح ، هو قانون مرره مجلس النواب في يناير 2012 كما ورد في المبادرة الخليجية لتنحي علي عبد الله صالح عن الحكم, وتنص المادة على «منح علي عبد الله صالح، الحصانة التامة من الملاحقة القانونية والقضائية. وتنطبق الحصانة من الملاحقة الجنائية على المسؤولين الذين عملوا مع الرئيس في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والامنية فيما يتصل بأعمال ذات دوافع سياسية قاموا بها أثناء أدائهم لمهامهم الرسمية، ولا ينطبق ذلك على أعمال الإرهاب.، المرتكبة أثناء أداء الخدمة على مدار حكمه لمدة 33 عاماً».