الجمعة 29-03-2024 11:41:21 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وصراع السلطة (الحلقة 4)

الخميس 01 مارس - آذار 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص – فهد سلطان

انتهازية المشاركة في الثورة 2011م

كادت اليمن أن تعبر "الازمة السياسية" 2011م, نحو بر الأمان, وتخرج منتصرة بعد الثورة الشبابية الشعبية, ضمن ما يسمى "الربيع العربي" لولا أن الحوثيين وتحالفهم مع بقايا النظام السابق, قد اشعلوا حرباً ضروساً في كل ربوع اليمن في اللحظة التي كان الدستور اليمني يُكتب ويستعد الناس لمرحلة جديدة, تبدأ من قيام انتخابات نيابية ورئاسية في نفس الوقت.


شارك الحوثيون في ثورة 2011م في ساحة التغيير بصنعاء, ومسيرات حصرية لهم في صعدة, دون أن يكون هناك ساحة خاصة للثورة أو السماح لأي مكون سياسي أو حزبي أو اجتماعي أن يشارك بمسيرة أو اعتصام!, ثم ما لبثت مشاركتهم تلك أن تتحول الى ثورة مضادة داخل ساحة التغيير في العاصمة صنعاء, وسيتطور الامر بعد ذلك الى تحالف وثيق مع النظام السابق, وسينكشف تفاصيله بعد عامين من تلك العلاقة, فيما كانت حينها شكوك بين قوى الثورة أو المراقبين والمهتمين بالجماعة, فيما يذهب بعض المراقبين – الجماعة - للقول أن الانضمام للساحة كانت بإيعاز مباشر من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.


لقد حاولت حينها كل المكونات الشبابية والشعبية, أن تراعي هذا التواجد الحوثي الجديد في الساحات, ضناً منهم أن اشراكهم في الثورة والعمل السلمي المدني, سيساهم في تمدينهم ونقلهم من الصراع والتمرد المسلح مع الدولة الى وضع جديد طال انتظاره!, يأتي ذلك بعد خوض ستة حروب كانت أخر حرب قد وضعت اوزارها في فبراير/ شباط 2010م, فيما بقيت المناوشات قائمة في عدد من مناطق صعدة ولم تتوقف حتى 2012م.


وفي اللحظة التي كان التوجه العام لدى شباب الثورة في كل ساحات الجمهورية, والاحزاب وحتى القبائل التي شاركت بفعالية في الثورة, نحو بناء دولة جديدة وإصلاح الاختلالات السابقة, كان الحوثيون يخطون طريقاً انتهازياً اخر بعيداً عن مسار الجميع..!, يقوم على المراوغة ونسج علاقات جديدة مع أطراف محلية واقليمية ودولية, عبر جناحها المدني والذي نشط مع سفارات عدد من الدول الاجنبية مستغلين تواجدهم في الساحات وعرض مظلومية - صعدة - والتي احتكروها باسمهم, في حين أن قضية صعدة كان الحوثي مكون واحد من بين عدد من المكونات وهي الخطيئة التي ستقع فيها الشرعية وباقي المكونات السياسية داخل مؤتمر الحوار الوطني الشامل حين قدم الحوثيون كممثل حصري لقضية صعدة!!, فيما كانت الاوضاع على الارض في صعدة تسير في اتجاه أخر تماماً, يقوم على التوسع وتصفية الحسابات مع القبائل التي ناصرت الدولة في حروبها ضد التمرد اثناء الحروب الست.!!
كانت السلطة في صعدة قد تخلت عن مسؤولياتها داخل المحافظة, ومع إيقاف كل حرب من الحروب الست بطريقة معاكسة للحسم العسكري, الذي كان قادر على حسم التمرد بصورة نهائية. اعطت الحرب للحوثيين قوة جديدة ونفس جديد للمناورة, واخذ اماكن جديدة في تموضعهم داخل المحافظة بشكل توسعي, وبات الحوثيون يفرضون امراً واقعاً على المحافظة بالكامل, ولم يعد التواجد للسلطة المحلية سوى شكلياً, وسيكتمل النفوذ والسيطرة الفعلية بصورة نهائية في 23 مارس/ اذار 2011م لحظة سقوط صعدة بيد الحوثيين, وهنا سيكشف أول توجهه للجماعة في السيطرة على المحافظة وفرض واقع جديد, وهو ما تتابعت به الاحداث بعد ذلك.!


محافظة صعدة
يرجع تاريخ مدينة صعدة - الثاني - بشكلها الحديث للقرن الثالث الهجري, حيث اختطها الإمام " الهادي يحيى بن الحسين الرسي المتوفي298 هـ، كموطن لدولته الهادوية التي أسسها, وتقع المحافظة على بعد 3 كم من موقع صعدة القديمة.


وقد ظلت مدينة صعدة مركزاً للدولة الزيدية (الهادوية) لعشرة قرون, وخاضت عشرات الحروب والصراعات الداخلية والخارجية التي اشعلتها أو اشعلها مناوؤها عليها، ولم تستقر هذه المدينة منذ قدوم الإمام الهادي وحتى اليوم, رغم إصرار المزارعين من ابنائها في الماضي والحاضر على تجاوز الحروب التي كانت تفرض عليهم, إلا أنها كانت تتوقف لبعض من الوقت ثم تعود من جديد اكثر شراسة منذ قبل وتأخذ الرجال والنساء والاطفال والزرعة ايضاً, فقد عاشت المدينة في قلق دائماً لا يتوقف!, والى عام2000م صنفت صعدة كـ اكبر محافظة يمنية في عدد المقابر وقتلى الحروب على مستوى الجمهورية, ويعود ذلك الى كمية الحروب التي خاضتها في الماضي والحاضر.!


كما أن ان دائرة الحروب الستة في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين مع السلطة, هي الاخرى خلفت آلاف القتلى من ابناء المحافظة ومن الجنود, وتأتي الحرب الاخيرة التي اشعلها الحوثيون في بداية مارس/ اذار 2015م, لتكون صعدة ومعها عدد من محافظات يمنية اخرى منها محافظة ذمار تتربع برقم قياسي في عدد القبور وقتلى الحرب.


مثلت المحافظة محضن رئيسي للأماميين المناوئين لثورة سبتمبر, وقادت المحافظة ضد الثورة أربع حملات متواصلة على مدى ثمان سنوات عمر الحرب بعد شرارة ثورة سبتمبر, وقدمت القوات المصرية تضحيات كبيرة وهي تحاول أن توقف تلك الحملات في محاولة لإجهاض الثورة أو الالتفاف عليها, حتى جاء الاتفاق بين الملكيين والجمهوريين في عام 1970م, والذي بموجبه ستدخل البلاد في طور جديد.


لقد دخلت صعدة شكلياً في طور الجمهورية, فيما بقي الاماميون ينسجون خيوط العودة لعهد الملكية يتحينون ذلك مع كل فرصة مواتية, وقد رافق ذلك عدد من الاختلالات الجوهرية والتي منحت بطريقة غير مشروعة ولا قانونية كجزء من المجاملات والاسترضاء, أو قل جزء من الصفقات بين نظام صالح بشكل اساسي وبينهم, فالمحافظة كمثال لم تكن تدفع حصة الوجبات والزكاة والتي بقيت خارج دائرة السلطة المركزية وهذه شهادات خرجت بشكل رسمي مع احداث 11 فبراير وما بعدها.


لقد كانت أول خطوة قام بها الرئيس المخلوع صالح عبر محافظ المحافظة يحي العمري هي المطالبة بدفع الزكاة للدولة, كون المحافظة في معظمها اوقاف للإمام الهادي وتتحكم بالزكاة والضرائب اسرتين هي بيت مجد الدين المؤيدي واسرة بدر الدين الحوثي, وهو ما شعر به الهاشميون هناك كإعلان حرب, وهنا وجدت الدولة مبرر واضح لشن حرب ضد المتمردين على الدولة ومؤسساتها.


ومع دخول السلطة والحوثيين في هدوء نسبي بعد منتصف 2010م كان الحوثيون قد دخلوا في حروب تأديبية - خاطفة - مع القبائل داخل المحافظة وخارجها, وزاد عدد النازحين بشكل كبير سواء من الذين فروا من ويلات الحرب, أو تلك القبائل التي تركتها السلطة فريسة للحوثيين. فبعضاً من تلك الاسر والقبائل لم يعودوا الى ديارهم حتى اليوم. كما استطاع الحوثيون من خلال الحروب الست ونتائجها الكارثية, العمل على توطين انفسهم, وذلك بعد أن بسطوا نفوذهم كاملاً على المحافظة. وبدل أن يكون الحوثيون مكوناً من المكونات السياسية والاجتماعية, باتوا اليوم هم الحكام الفعليين للمحافظة, ومثلت تلك الحرب خدمة مجانية لهم قربتهم من مشروعهم الطائفي والسلالي بشكل كبير, وهو ما سيفتح شهيتهم نحو محافظات اخرى وخاصة مع انشغال الناس بالزخم الثوري في كل ساحات الجمهورية 2011م.


التوسع خارج صعدة


انشغل الجميع بأحداث ثورة فبراير 2011م, فيما اتجه الحوثيون نحو محافظة الجوف وأجزاء من محافظة مأرب وحجة والمحويت, ثم أخيرا محافظة عمران التي أقصوا منها بالقوة المسلحة كل من له علاقة بالإصلاح, بل جعلوا من هذا الأمر مبرر في الوصول الى كثير من اهدافهم والعمل على تحييد الناس والقبائل, وساعدهم في ذلك قيادات في المؤتمر الشعبي العام نكاية بالموقف الذي قام به الإصلاح في دعم احتجاجات ثورة فبراير.


يمكن القول أن حزب التجمع اليمني للإصلاح هو الحزب الذي حذر من خطوة المشروع الحوثي الامامي, وأن التوسع لم يكن لحماية انفسهم كما كانوا يسوق اعلامهم أو من تآمر وتواطؤ معهم, بل كان الهدف كبيراً بكبر الجريمة التي يخوضونها, وكانت احلام العودة الى الإمامة قديمة وتنسج خيوطها باستمرار, وجاءت اللحظة المناسبة التي تخرج الجماعة من القمقم نحو المحافظات تضمها الى صعدة في استعادة مباشرة للمشروع الإمامي الطائفي. فيما وقفت عدد من القبائل الموالية للإصلاح والموالية لأحزاب أخرى في حرب مفتوحة مع الجماعة, إلا أن تواطؤ السلطة ممثلاً بنظام صالح رفع من الكلفة وساهم بصورة مباشرة في التهام القرى وفتح جبهات واسعة, بل وتورط الحوثيون انفسهم في جرائم حرب ضد الإنسانية كما هو الحاصل في التقارير الدولية التي تحدث عن الالغام في محافظة حجة.


كانت التواجد الإيراني القديم في صعدة, والعامل في صفوف الحوثيين لاستعادة الإمامة, وضرب بنية الدولة اليمنية من الداخل, والنفوذ عبره الى دولة اقليمية ومنها المملكة العربية السعودية هو الهدف الابرز, والكبير, وساهمت عدد من العوامل السياسية والاجتماعية على تغيب الحقائق حول الجماعة ومشروعها, وهو ما ستستفيد منها في التمدد والوصول الى نقاط كانت فيما قبل في دائرة المستحيل.


مثلت خارطة الصراعات على السلطة, اثناء الحروب الست مع السلطة, ومع القبائل داخل صعدة وخارجها بعد ذلك, وصولاً الى الحصار الثالث والاكبر على دماج في اكتوبر/ تشرين أول 2013م مرحلة حاسمة من الصراع, وهو ما سيعطي الجماعة بعداً محلياً واقليمياً بل ودولياً, وبدل أن كانت هذه الجماعة منكفئة في كهوف صعدة, ساعدتها الظروف في دعمها وتشجيعها وتذليل كل الصعاب امامها, ومن جماعة جيء بها لتأديب حزب معين ناصر السلطة, قدمت جماعة تحمل مشروع ايدلوجي متخلف خارج التاريخ لتلتهم البلاد وتنقلب على كل الاتفاقات مع الدولة وحتى مع الذين تحالفوا معها, وتفرض واقعاً جديداً منذ اربع سنوات لم يعدد يهدد الداخل فقط بل والخارج ايضاً سواء في الاقليم أو في العالم.