الجمعة 29-03-2024 12:37:29 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ومشروع الدولة الوطنية (الحلقة الرابعة والأخيرة)

الخميس 25 يناير-كانون الثاني 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان

 

تكشف عدد من الوقائع والأحداث التي جرت في اليمن على مدى العقدين الماضيين مستوى الوعي السياسي والوطني المتنامي لدى حزب التجمع اليمني للإصلاح, ويمكن تناول عدد من الأمثلة على ذلك, مع التأكيد أن الشعور بالخطورة شيء والعمل على تجاوز تلك المشكلات شيء أخر.!


وقبل عرض الأمثلة يمكن التأكيد أن الحزب ترسخت لديه قناعة كاملة بمفهوم الشراكة السياسية من جانب, وعدم تجاوز موقعه كحزب سياسي مدني من جانب أخرى, الى جانب أنه لا يمكن أن ينفرد بقرار سياسي يخص البلاد, وأنه يعمل ضمن أطر سياسية وتحالفات لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها.


وبقدر ما مثلت هذه العقيدة السياسية خطا سياسيا واضحا للحزب, فقد كان وضع العملية السياسية الهشة في البلاد لغير صالح هذا الخيار, يضاف الى ذلك أن الإصلاح ذاته استوعب من خلال عدد من التجارب -ومنذ وقت مبكر- أنه لا يمكن أن يتقدم الصفوف أو ينفرد بحكم البلاد نظراً للأوضاع التي تمر به البلاد, وللوضع الإقليمي والدولي من الإسلاميين والديمقراطية بشكل خاص.!


يمكن تناول ثلاث قضايا كأمثله للتأكيد على هذه الحقيقة ومناقشتها أو تحليلها وفق الهدف الإصلاحي العام ابتداءً من الرغبة في التوريث من قبل النظام السابق, مروراً بحروب صعدة وصولاً الى رفض مشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني, حيث كان الإصلاح يشترط بوضوح التحول لحزب سياسي أو يلقي السلاح, وفي الثلاث القضايا تموضعت مواقف الإصلاح باختلاف الوضع الذي كانت تعيشه البلاد بين فترة وأخرى.


التوريث.
يعد واحداً من أهم الملفات السياسية في البلاد التي كانت السبب المباشر في افتعال كثير من الأزمات السياسية في البلاد, بل لا يجانبنا الصواب إذا قلنا أنها القضية التي هوت باليمن وادخلتها في مأزق سياسي كانت النتيجة التي وصلت إليه البلاد نتيجة حتمية لهذا التوجه. فهو المشروع الذي بدأ العمل له منذ وقت مبكر, من قبل الرئيس السابق عليه عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام.


بدأ التحضير منذ انتخابات 97م, وهو العام الذي النظام أن يزيح الحليف السياسي الأبرز من طريقه المتمثل في حزب الإصلاح, والعودة الى مربع المعارضة, بعد أن كان شريكاً في السلطة.


لقد كان الحزب الاشتراكي اليمني الشريك الأبرز - ضمن الثلاثي - في صناعة الوحدة بين شطري البلاد, وفي تلك الفترة كان قد ضعف بشكل كبير بصورة متعمدة من قبل النظام, بل تم القضاء عليه مع حرب صيف 94م, اللحظة التي حول صالح الحرب من القضاء على التمرد وحماية وحدة البلاد, الى استهداف مباشر للحزب الاشتراكي اليمني, وهي الرغبة التي وظف صالح الانتصار في الجنوب لصالح هذه القضية, مع أن القوى السياسية التي شاركت في الحرب كانت تستهدف تثبيت الوحدة وإسقاط التمرد لا أكثر!


بخروج الحزب الاشتراكي لم يتبقى سوى الإصلاح الحزب المنافس القوي, وبتوظيف مقدرات الدولة وكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في انتخابات 97م تم إخراج الإصلاح من السلطة عبر الانتخابات, وهنا سيجد صالح الجو السياسي مناسباً أمامه تماماً, فالتوازن الذي خلقته الوحدة تم القضاء عليه, وهنا سيطل ملف التوريث بقرونه, ولكنه سينشط بشكل صريح مع إغلاق ملف الحدود مع سلطة عمان ومع المملكة العربية السعودية في يونيو/ حزيران 2000م.

 

الإصلاح واللقاء المشترك
مثل تكتل اللقاء المشترك الجدار السميك أمام مشروع التوريث العائلي, وهنا سيكون الإصلاح رأس حربه في حماية هذا التكتل السياسي الجديد, إلى جانب ظهور أصوات عن دوائر حزبية وسياسية وناشطون ومثقفون جميعهم استشعروا خطورة مشروع التوريث, حيث فشلت كل محاولات النظام في استمالة الإصلاح أو إضعافه أو حرفه عن السير وراء حماية تكتل اللقاء المشترك.


وبقراءة موضوعية, يدرك الكثير من المتابعين أن الإصلاح لم يتعامل مع تكتل اللقاء المشترك كموقف سياسي عابر, بل من زاوية استراتيجية, فالحزب وضع ثقله من أجل إنجاح هذا - المشروع الوطني - رغم أنه تحمل تبعات ذلك كثيراً سواء من الأحزاب السياسية المنضوية في إطار التكتل نفسه, أو داخل الحزب وبين قواعده أو من قبل المؤتمر الشعبي العام والنظام الحاكم في نفس الوقت.


لقد استطاع هذا التكتل الكبير أن يمثل سياجاً سياسياً أمام كثير من القضايا ومنها ملف التوريث, مع الاعتراف أن الأحزاب السياسية أصابها العجز في رفع سقف المعارضة بما يوقف السير نحو المشروع وتجاوز القانون كما هو الحال, بعد تأسيس قوات وألوية الحرس الجمهوري خارج دائرة القانون.


في عام 2000 ذاته تسلم أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس المخلوع رسمياً قيادة تشكيلات قوات الحرس الجمهوري, وكانت تلك أولى ملامح مشروع التوريث التي يمكن أن ترى بالعين المجردة, فيما الخطوات السابقة كانت كلها تحاول أن تمهد لهذا المشروع بطرق غير مباشرة, وبسبب المعارضة الشديدة والتوجس الذي ابدته قوى المعارضة من هذه الخطوة إلا أنها مع الأسف لم ترفع سقف المعارضة بل دخلت في صفقات منفردة مع النظام لتمرير هذه الخطوة, والتي سيعقبها قرارات عديدة في ترسيم ملامح المشروع العائلي, وفي تلك المرحلة بالذات سيبدأ النظام يستهدف الإصلاح وكل ما يتصل به, الى جانب استهداف الجيش اليمني ( القوات المسلحة) لصالح ذات الهدف.

 

حروب صعدة
استطاع علي عبدالله صالح خلال سنوات قليلة من الإمساك بمفاصل الدولة, وتعيين أقاربه من الدرجة الأولى والثانية في مفاصل الدولة, بل في أهم مفاصل الجيش والأمن, وسيبقى لديه بعض العقبات, حيث كانت التعديلات الدستورية تسير جنباً الى جنب التغيرات في صفوف الجيش والأمن, وبسبب الخلافات داخل بنية الحكم وخاصة كانت حروب صعدة هي النافذة التي سيتورط فيها النظام لصالح ملف التوريث ذاته.


لن نأتي بجديد هنا إذا قلنا ان الحروب الست كانت تجري في سياق ملف التوريث, فقد تحدث الكثير حول هذه الحقيقة وخرجت شهادات وكلها تتضافر للتأكيد على هذه الحقيقة, غير أن التكتم السياسي والإعلامي عن طبيعة الحرب وما يدور في كواليسها وعلى الأقل حتى الحرب الرابعة, جعلت الأحزاب السياسية مجتمعة في موقع المرتبك, وكيف أن هذه اللعبة الخطرة تخرج يوماً بعد أخر عن السيطرة, وهنا تباينت مواقف الأحزاب من هذه الحرب العبثية.

 

مؤتمر الحوار الوطني الشامل
منذ انطلاق شرارة ثورة 2011م وتحديداً بعد جمعة الكرامة الدامية في 18 مارس من نفس العام, بدأ الترتيب الفعلي والتحالف الحقيقي بين نظام علي عبدالله صالح وبين جماعة الحوثيين, فبعد هذه الحادثة بخمسة أيام فقط ستسقط محافظة صعدة بيد الحوثيين, وهو تنفيذ حرفي لتهديد أطلقه صالح بأن خمس سنوات يمنية ستخرج من تحت سيطرة الدولة, وقد كان يقصد جماعة الحوثيين المتمردة في صعدة في الشمال ومحافظات أخرى في الجنوب تحت تنظيمات إرهابية كتنظيم القاعدة.


كما استطاع الحوثيون من الاستفادة من المعارضة من داخل الثورة الشبابية الشعبية, وتوسيع دائرة انشطتهم محلياً ودولياً, في الداخل عبر نافذة النظام الذي جعل منهم حصان طروادة يستهدف ويصل بها على العمق داخل الثورة, وخارجياً من خلال التيار الهاشمي المتجذر في المنظمات الدولية, ولم يأت مؤتمر الحوار الوطني الشامل إلا والحوثيون باتوا قوة سياسية تستند الى التحالف غير المعلن مع النظام وبنفس الوقت الحروب التي يخوضونها في صعدة وعمران وحجة والجوف.


سادت حالة لدى الشارع اليمني أن مشاركة الحوثيين في الحوار الوطني تمثل خطوة ذات اهمية, كون هذه الطريقة سوف تسحبهم الى العمل السياسي, وفي نفس الوقت عرض مشكلات صعدة عبر الحوار وليس عبر السلاح, ورغم مبرر هذا الطرح إلا أنه كامل يحمل سذاجة وسطحية في نفس الوقت، وهو ما دفع الإصلاح الى اشتراط اشياء عملية التحول الى حزب سياسي أو ترك السلاح, لقد كان هذا الموقف ينطلق من شعور وطني بأن الذي يدخل الى دائرة الحوار وهو محمل بالسلاح يصعب عليه أن يقبل بالنتائج إذا لم يكن قد ترك سلاح جانباً وشعر بأن هناك سلطة اقوى منه, وهو الخيار الذي رفض من قبل كل التيارات السياسية, وكان المبعوث الأممي الى اليمن السابق جمال بن عمر احد ابرز الأشخاص الذي مارسوا ضغوطا كبيرة على الحزب في قبول الحوار, وأن الحوار ذاته سيفرز نتائج ستنعكس نتائجها على الجميع.


ولم تتوقف المواقف الوطنية للإصلاح عند هذه الخطوة التي كانت تكتفي -كما اسلفنا- بإقامة الحجة على الناس, كون الحزب السياسي لا يستطيع أن يمارس أكثر من الدور السياسي, وأن التحذيرات التي كانت يطلقها, قد سبقها شيطنة كبيرة للحزب والتشكيك في كثير من مواقفه, حتى أن الغزل السياسي وصل الى مستوى التقرب وخطب ود الحوثيين من قبل كل التيارات السياسية بلا استثناء, وهي الخطوة التي ستمل بداية النهاية, ونتيجة حتمية للعب بالنار مع جماعة مسلحة جاءت من خارج السياسة.


تكرر الأمر مع محاصرة محافظة عمران, غير أن الأوضاع السياسية كانت قد انقلبت تماماً, وأن الحوثيين نجحوا في تقديم انفسهم قوى مدنية وأن المراوغة بتسليم السلاح عندما تعود الدولة لممارسة مهامها, وهو الفخ الذي سيدفع الجميع ثمنه.


لم يلق بال للتحذيرات التي اطلقها الإصلاح بخصوص محافظة عمران, فقد تورطت قوى سياسية محلية ودولية في خلق مبررات لدخول الحوثيين, صاحب ذلك بروز لتيارات الثورات المضادة في العالم العربي, وهو ما سيجعل الحوثيين أحصنة سريعة للسير نحو هذا الهدف دون النظر الى خطوة العواقب في مثل هذه القضايا الخطيرة.