الأربعاء 01-05-2024 13:35:49 م : 22 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قبل أن تحل الكارثة.. الحوثيون من تطييف التعليم إلى عسكرته

الأحد 27 أغسطس-آب 2023 الساعة 03 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

مع بدء العام الدراسي الجديد 2024/2023، افتتحت مليشيا الحوثيين الإرهابية مدارس طائفية جديدة برواتب مرتفعة للمدرسين فيها، وتغري الطلاب بالسكن المجاني والتغذية المجانية أيضا، في خطوة تعيد إلى الأذهان تأسيس المليشيا لما أطلق عليه "تنظيم الشباب المؤمن" الذي بدأ كمنتدى للتعليم الطائفي، لكنه كان يجمع بين التعليم الطائفي والتعبئة القتالية، ثم تحول إلى مليشيا إرهابية تنتهج العنف وتنشر الدمار في مختلف أنحاء الوطن وتهدد الإقليم وطريق التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

لم يكن لجوء مليشيا الحوثيين لفتح مدارس طائفية أشبه بالمعسكرات إلا بعدما أظهر المجتمع مناعة ذاتية ومقاومة صامتة لمحاولاتها تطييف التعليم في المدارس الحكومية وأتبعتها بالمدارس الخاصة، فرأت المليشيا أن المخرجات الطائفية من مدارس التعليم العام لم ترفدها بالأعداد المطلوبة من المقاتلين حتى وإن كانوا أطفالا، كما أن تفاعل المجتمع واستجابة الطلاب للمناهج الطائفية في مدارس التعليم العام لا تنبئ بمؤشرات تلبي رغبات المليشيا ومساعيها لتطييف المجتمع لا سيما الجيل الجديد، الذي سيتحول مستقبلا إلى مليشيات إرهابية ترفد الحوثيين بأعداد كبيرة من المقاتلين الذين ستعتمد عليهم في إشعال الحروب وسفك الدماء.

 

- استغلال المليشيا طول مدة الحرب

منذ بداية انقلابها على السلطة الشرعية، ركزت مليشيا الحوثيين كل جهودها على التعليم، باعتباره أبرز وسيلة لمصادرة الجيل الجديد والتأثير عليه وإجراء غسيل دماغ له لإخراجه من الفطرة الإنسانية السوية ومسخه وتحويله إلى جيل يشكل خطرا على المجتمع بشكل عام، لا سيما أن المليشيا الحوثية ستوفر له الحصانة والمظلة التي سيحتمي بها وستمنحه مشروعية البلطجة والقتل وسفك الدماء، فهي مليشيا بلا مرجعية أخلاقية ومجردة من كل الفضائل، ويمثل النهب والظلم والقتل والبلطجة ومصادرة الحقوق أبرز وسائلها لحكم المجتمع وقهره وتعطيل إرادته، ولن يتسنى لها ذلك إلا باستيعاب جميع الشاذين أخلاقيا ومنحهم الامتيازات لتشكل عصابات كبيرة لا تعرف غير البلطجة والقتل والنهب لتحكم من خلالها وتتسيد بها على المجتمع.

وبما أن التعليم السليم هو الوسيلة الوحيدة لتنوير المجتمع وتحصينه من خرافات وضلالات وجهالات المليشيا الحوثية الإرهابية، فإن تلك المليشيا تعمدت محاربة التعليم بمختلف الوسائل الممكنة، مثل نهب رواتب المعلمين والتوقف عن طباعة الكتاب المدرسي واعتقال بعض المعلمين وسجنهم، قبل أن تنتقل سريعا إلى مرحلة استبدال بعض المعلمين بآخرين من عناصرها رغم أنهم بلا مؤهلات، وأجرت تغييرات كبيرة على المناهج التعليمية (الكتب المدرسية)، لتحولها إلى مناهج طائفية سياسية لخدمة مشروعها الكهنوتي الظلامي الرجعي، مع محاولة تطييف المجتمع بأكمله عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد وغير ذلك.

صحيح أن المليشيا الحوثية تمكنت من خداع وتضليل فئات معينة من المجتمع، مثل الفئات الجاهلة والفقيرة والمهمشة وتلك التي يسهل شحنها بالعصبية الطائفية أو المناطقية، مما مكنها من تجنيد عدد كبير من المقاتلين من مختلف الفئات العمرية وخصوصا الأطفال، لكن إذا نظرنا للأمر من ناحية الكثافة السكانية في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية، فإن من انخرطوا في صفوفها كمقاتلين نسبتهم قليلة جدا قياسا بالكثافة السكانية في مناطق سيطرتها، وذلك بفضل المناعة الذاتية للمجتمع في مناطق سيطرة الحوثيين، كون أن غالبية المواطنين هناك يكرهون المليشيا ويرفضونها وينتظرون لحظة الخلاص منها.

بيد أن طول مدة الحرب من شأنها أن تتسبب في تآكل المناعة الذاتية للمجتمع جراء حملة التطييف المتوحشة التي تنتهجها مليشيا الحوثيين لتطويع المجتمع لمصلحتها، وكلما طالت مدة الحرب أكثر مما سبق ازدادت بالتوازي مع ذلك احتمالات تآكل المناعة الذاتية للمجتمع إزاء حملة الحوثيين لتطييف الجيل الجديد وعسكرته وشحنه بثقافة الكراهية والعنف والإرهاب. وبما أن مناطق سيطرة الحوثيين تتميز بكثافتها السكانية، لنا أن نتخيل مدى حجم الخطر في حال تمكنت من تطييف وعسكرة نسبة 10% من عدد السكان في مناطق سيطرتها، وحولتهم إلى مقاتلين مشحونين بالعصبية الطائفية وبثقافة العنف والإرهاب.

وقد يتساءل البعض: لماذا ستتآكل المناعة الذاتية للمجتمع أمام جهود الحوثيين لتطييف المجتمع وعسكرته؟ والجواب هو أن التعليم صار بمنزلة البوابة لتطييف المجتمع وعسكرته، فالمليشيا الحوثية سيطرت على التعليم تماما، وفرضت سيطرتها على المدارس الخاصة، وغيرت المناهج التعليمية، وأخيرا أنشأت مدارس طائفية خاصة تغدق عليها الأموال والامتيازات وتبدو فكرتها شبيهة بفكرة منتدى أو تنظيم ما أطلق عليه "الشباب المؤمن" الذي كان النواة لظهور المليشيا الحوثية الإرهابية.

وبالتالي فالمجتمع في مناطق سيطرة المليشيا صار بين فكي كماشة، فالطالب إذا درس في أي مدرسة فلن ينجو من الشحن والاستقطاب الطائفي، وإذا لم يدرس ثم شب وهو أمي وجاهل فهو أيضا مشروع مقاتل لدى المليشيا، لأنه بلا علم سليم يحصنه من ضلالات وخرافات المليشيا الإمامية الكهنوتية، أي أنه بتطييف الحوثيين للتعليم وعسكرته فهم رابحون في كل الأحوال سواء درس الطالب أم لم يدرس، وهو ما يتطلب من جميع مكونات الصف الجمهوري المسارعة إلى القضاء على الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة قبل أن يتفاقم الخطر ويقع الفأس في الرأس.

 

- المدارس الخاصة تحت سوط الإرهاب الحوثي

قبل بدء العام الدراسي الجديد، أصدرت مليشيا الحوثيين قرارا يقضي بتنصيب ما تسميه "مشرفا ثقافيا" من عناصرها في كل مدرسة أهلية، وهو ما يعني تحويل أكثر من 700 مدرسة أهلية في صنعاء لوحدها فقط إلى مراكز تعبئة طائفية وقتالية جديدة وتشر ثقافة العنف والإرهاب، بهدف خلق جيل طائفي بامتياز ومشحون بالكراهية وغريزة القتل والبلطجة.

وكان القيادي في مليشيا الحوثي، المدعو هادي عمار، المعين مديرا لمكتب التربية والتعليم في صنعاء، قد وجه مديري المديريات ومشرفيها ومديري مكاتب التربية والتعليم بالمديريات ورؤساء أقسام التعليم الأهلي بالمديريات، بترشيح مسؤول ثقافي (طائفي) مقيم لكل ⁧‫مدرسة‬⁩ أهلية.

وجاء في الوثيقة الحوثية أنه و"بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة يتم ترشيح مشرف ثقافي مقيم مؤهل لديه الاستعداد والتفرغ الكامل للقيام بعمله كمشرف مقيم داخل المدرسة الأهلية أوقات الدوام الرسمي وسيكون له راتب شهري من المدرسة".

وبحسب الوثيقة فإن مهام المشرف الثقافي تتمثل بـ"الإشراف على أعمال الأنشطة المختلفة كالإذاعات المدرسية والمسابقات المنهجية والعملية وتفعيل المناسبات الدينية والوطنية وتفعيل اليوم الثقافي وغيرها". ‏

وسيكون من مهام ذلك المشرف الحوثي مراقبة مدى التزام المدارس بتنفيذ التوجيهات الحوثية، حيث سيمثل المشرفون قناة التواصل الوحيدة التي تتلقى من خلالها المدارس هذه التوجيهات، بهدف تحويل الطلاب إلى عناصر متعصبة أيديولوجيا وخلق جيل مدمر نفسيا ومتعصب طائفيا.

وتعد تلك الإجراءات الحوثية بحق المدارس الأهلية آخر مسمار في نعش التعليم، لأن تلك الإجراءات تتضمن تغير قناعات الطلاب بأفكار وسلوك مليشيا الحوثيين الإرهابية مما يشكل خطرا على النسيج المجتمعي ويدفع بالعائلات ميسورة الحال لنقل أبنائها إلى المدارس في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، بينما العائلات الفقيرة سيكون أمامها إما عدم تدريس أبنائها أو الذهاب بهم إلى المدارس التي أصبحت وكرا للتعبئة الإرهابية الحوثية.

وخلال السنوات الماضية من عمر الانقلاب الحوثي، كانت المليشيا تنظم ما تسميها "أنشطة ثقافية" في المدارس الحكومية والأهلية تستغلها لحث الطلاب على نصرتها بالمال والرجال وحشد الشباب والأطفال للالتحاق بجبهات القتال، فضلا عن توظيف الإذاعة المدرسية في تعزيز هذا التوجه بهدف غرس الولاء المطلق للحوثيين في نفوس الطلاب والطالبات.

ويمثل هذا التجييش والشحن الحوثي في أوساط طلاب صغار السن خطرا على الأسرة والمجتمع، لأنه يجعل الطلاب الصغار أكثر عدوانية في تعاملهم مع بعضهم ومع المجتمع، كما يؤثر بشكل كبير على تحصيلهم التعليمي، ويدفع ببعضهم لترك الدراسة والقتال مع الحوثيين، لأن أنشطة المليشيا الحوثية الطائفية في المدارس تتضمن دعوات للتعصب وحمل السلاح، ودفع الطلاب إلى جبهات القتال.

كلمات دالّة

#اليمن