الخميس 28-03-2024 17:54:19 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

تسييس الإرهاب.. ورقة الرهانات الخاسرة في اليمن

الإثنين 15 يناير-كانون الثاني 2018 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ أحمد أبو ماهر

  

نفذ تنظيم القاعدة في اليمن، منذ ظهوره فيها وحتى اليوم، عدة عمليات إرهابية، استهدفت مصالح محلية ودولية كسفن نفطية وحربية وأنابيب النفط، وسفارات، وسقط جراءها عدد من الضحايا.

تعد اليمن واحدة من الدول التي تمتلك موقعا استراتيجيا، نظرا لإشرافها على مضيق باب المندب، ولذلك فالمجتمع الدولي يخشى من أي تهديدات إرهابية قد تطالها، لكن فترات عدم الاستقرار التي مرت فيها اليمن خلال السنوات الأخيرة، أدت إلى تنامي ظاهرة الإرهاب، جراء تسييس أطراف في السلطة له، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي ألقت ببعض الشباب في ثقوب صانعي الإرهاب.

 

البدايات الأولى

عقب انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي وبدء انسحابه من أفغانستان بعد حرب شرسة استمرت قرابة 10 سنوات، بدأ بعض الجهاديين بشن هجمات تستهدف أماكن تواجد الأمريكان.

وتأسست في اليمن أول جماعة جهادية عُرفت بـ"جيش عدن أبين الإسلامي" عام (1997) بقيادة أبو حسن المحضار، الذي اعترف (بالقاعدة) بعيد إعلان أسامة بن لادن عن تنظيم ما يُعرف بـ"الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين" عام (1998).

فكانت المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) هدفا لهم في 12 اكتوبر 2000م بعدن، بالإضافة إلى هجوم مماثل حدث عام (2002) على ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورغ" في حضرموت.

بعد استهداف برجي التجارة العالمي بأمريكا عام (2001)، بدأت الولايات المتحدة بحملات كثيرة في إطار مكافحة الإرهاب، وعقدت اتفاقا بينها والنظام السابق عام (2002) يهدف إلى مكافحة الإرهاب في البلاد، واستمر الجهاديون في تنظيم القاعدة بشن هجمات عدة داخل اليمن، إلى أن أعلن فرعا التنظيم في اليمن والسعودية الاندماج في يناير 2009 تحت مسمى "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، الذي كانت اليمن مقراً لقيادته.

 

حليف الأمريكان الذكي

عقب أحداث (2001) بعام، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق مع الحكومة اليمنية في عهد نظام صالح، بمكافحة الإرهاب في اليمن، ونفذت العديد من الغارات الجوية باستخدام طائرات بدون طيار، ما أدى إلى مقتل كثير من عناصر التنظيم وقادته، فضلا عن سقوط مدنيين أبرياء.

واستخدم صالح ورقة الإرهاب مرات كثيرة لزيادة نفوذه وهيمنته، كما في انتخابات (2006) الرئاسية التي استطاع من خلالها الفوز على منافسيه آنذاك، وكذلك ابتزاز الغرب والحصول على مزيد من الأموال، فضلا عن محاولة الحصول على تدريب لقوات الحرس الجمهوري التي كان يقودها نجله أحمد، وتمكن –كذلك- من تصفية العديد من خصومه خاصة في الحراك الجنوبي، أو القادة العسكريين الذين تم تصفيتهم عقب ثورة (فبراير/شباط 2011).

وتكشف العديد من الوثائق العلاقة الوطيدة بين صالح والإرهاب، ففي وثائق ويكيليكس المسربة، تحدثت السفارة الأميركية بصنعاء بأن لديها اعتقاد عميق بوجود علاقة بين نظام صالح والقاعدة، وإن كانوا يفتقرون للدلائل الحاسمة. في ذات الوثائق أيضا، اشترط صالح على الأمريكيين ترسانة عسكرية لواحد من ألوية الحرس الجمهوري المملوك لنجله، مقابل حصولهم على رجل من القاعدة وصفه بقوله "يتحرك تحت أعيننا"، فيما وجهت له الولايات المتحدة الأمريكية –في وقت سابق- اتهامات بتساهله مع الإرهاب.

 

إنعاش الإرهاب بعد الثورة الشبابية

عقب أحداث ثورة (فبراير/شباط 2011)، عاود صالح اللعب بورقة الإرهاب، فانتعش هذا الملف مجددا بشكل ملفت، لأن هجمات التنظيم كانت قد تراجعت قليلا في بعض السنوات، خاصة بعد دخول الحكومة في عهد نظام صالح في حوار فكري معهم.

عام (2011) حدثت تحولات بارزة في هذا الملف، فقد سيطر قرابة 300 عنصر من أنصار الشريعة (جناح تنظيم القاعدة بجزيرة العرب)، على مدينة زنجبار بأبين، وإعلانها إمارة تابعة للتنظيم في (مايو/أيار) من ذات العام، لتندلع عقبها معارك غامضة، توسعت رقعتها إلى بعض المناطق المحاذية لها في عدن.

عقب تلك الأحداث الساخنة التي ظهرت فيها بصمات صالح بشكل جلي، أصدرت قيادة القوات المسلحة اليمنية التي تساند الثورة الشعبية، في (29 مايو/أيار 2011)، بيانا اتهمت فيه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بتسليم محافظة أبين للجماعات الإرهابية. وهو ذات الاتهام الذي صدر عن لجنة الخبراء الدولية، الذي قالت فيه إن يحيى صالح، ومهدي مقولة، ساهما بتسهيل تسليم أبين للمتطرفين.

حاول هذه المرة صالح تسييس ورقة الإرهاب، لتخويف المجتمع الدولي والمحلي، بإمكانية زيادة نشاط تلك التنظيمات الإرهابية، التي من شأنها أن تزعزع الأمن والاستقرار الدولي، إذا ما تم إسقاط نظامه، الذي كان يصوره كسد منيع أمام تلك الأعمال الإرهابية، لكنه لم يتمكن من تحقيق مكاسب كبيرة نظرا لاستمرار الثوار في نهجهم السلمي.

 

الحوثيون يلعبون بورقة الإرهاب

استمر اللعب بورقة الإرهاب عقب إزاحة صالح عن الحكم بموجب المبادرة الخليجية، وحتى صعود الرئيس عبده ربه منصور هادي إلى سدة الحكم مطلع العام (2012).

خلال تلك الفترة تم استهداف الجيش مرات كثيرة بعمليات إرهابية، كما سقطت –أيضا- المكلا في الفترة التي كان يتم التحضير فيها لانقلاب (سبتمبر/أيلول 2014)، ونشط المتطرفون بشكل لافت أيضا في محافظة البيضاء ذات الموقع الاستراتيجي، والتي تتوسط ثماني محافظات أبرزها صنعاء.

عقب انقلاب (2014) الذي نفذته مليشيات الحوثي بالتحالف مع صالح، ازدادت حدة الهجمات الإرهابية شراسة، وتوسعت رقعتها بشكل كبير وتحديدا في المحافظات الجنوبية المحررة، وعمل الانقلابيون على توجيه تهمة الإرهاب لكل مناوئ لهم فاقتحموا بعض المحافظات كعدن وتعز بذريعة مكافحة الإرهاب وقتال "الدواعش" والتكفيريين"، وهو ما يتعارض مع استراتيجيات الأمم المتحدة التي ترفض مثل تلك الاتهامات لمجرد الخلاف السياسي، فارتكبوا مجازر مروعة بحق المدنيين، لا زالت مستمرة بتعز حتى اليوم.

فبعد تحرير المحافظات الجنوبية -خصوصا- في (يوليو/تموز 2015)، اتضحت علاقة الانقلابيين بصناعة الإرهاب، فقد نفد المتطرفون العديد من عمليات الاغتيال التي طالت قادة عسكريين من المقاومة الشعبية، والجيش الوطني، ومسؤولين في السلطات المحلية، إضافة إلى تفجيرات بسيارات مفخخة استهدفت معسكرات، ومؤسسات حكومية، وشملت كذلك عمليات تهريب لسجناء متهمين بالإرهاب.

بدا واضحا تسييس الانقلابيين للإرهاب وارتباطهم به، حين تركزت العمليات الإرهابية على المحافظات المحررة بعد تحريرها منهم، وغيابها عن المحافظات التي ما تزال خاضعة لسيطرتهم، فضلا عن محاولات وسائل الإعلام التابعة لهم، الاستفادة من تلك الحوادث التي كانوا يقفون وراءها، لإظهار الحكومة الشرعية بأنها ضعيفة، إذ تنامى الإرهاب بعد تحرير تلك المناطق منهم.

كما استخدم الحوثيون أيضا العمليات الإرهابية باستهدافهم لسفن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، في محاولة للخروج بمكاسب سياسية، عبر إجبار المجتمع الدولي للضغط على التحالف العربي والشرعية، وتقديم تنازلات سياسية أو عسكرية.

 

عصا الإرهاب بيد الجنوبيين

خلال العامين الماضيين، كانت عدة أطراف في الجنوب ضالعة في العمليات الإرهابية التي استهدفت العاصمة المؤقتة عدن، وسبق كذلك وأن سعت القاعدة للتحالف مع الحراك الجنوبي وهو ما رفضه الأخير.

فقد لوحظ أن مؤسسات الدولة تم استهدافها بشكل لافت، إضافة إلى التيار السلفي المعتدل الذي وقف في صف الشرعية ولديهم شعبية كبيرة، أو الذين حاولوا الوقوف على الحياد مع معارضتهم للفكر السلفي المتشدد.

فكانت النتيجة أن حصدت السيارات المفخخة والطلقات النارية مجهولة المصدر، أرواح السلفيين في عدن، ومحاولة تعطيل مؤسسات الدولة، للاستفراد بالساحة هناك، ليتضح بذلك أن تيارات في الجنوب، وبخاصة تلك التي تسعى إلى الانفصال ضالعة في تسييس الإرهاب لإضعاف الدولة، والحيلولة دون حضورها في المناطق المحررة في الجنوب، لمنع تطبيع الحياة هناك، وهو ما حدث بالفعل.

 

جهود الشرعية والتحالف

كادت جهود تسييس الإرهاب أن تؤتي أُكُلها، خاصة بعد أن تم شرعنة تنظيم داعش الإرهابي فرع اليمن، برغم أن الوقائع تؤكد أنه لم يجد بيئة خصبة في اليمن، بسبب الصراع بينه والقاعدة، وعدم قبول المجتمع اليمني بأي جماعات متطرفة، فضلا عن إدراج وزارة الخزانة الأمريكية لعدد من قادة المقاومة الشعبية في قائمة داعمي الإرهاب، وهو الأمر الذي أثار ردود أفعال غاضبة.

لكن ومنذ صعود الرئيس هادي إلى سدة الحكم في اليمن، عمل على مكافحة الإرهاب في اليمن بشكل جدي، إذ لم يكن له أي طموحات كابتزاز المجتمع الدولي بذلك الملف كما فعل صالح، ونفذت مؤسستا الجيش والأمن عمليات عسكرية واسعة ضد القاعدة، خاصة في أبين وشبوة، إلى جانب التعاون الكبير بين هادي والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية في هذا المجال.

في الجنوب قامت أجهزة الأمن بتنفيذ العديد من الحملات الأمنية، التي نتج عنها تقليص تلك العمليات الإرهابية، والقبض على عدد من عناصر وقادة التنظيمات الإرهابية هناك، التي تقول أجهزة الأمن إن بعضها كانت على علاقة مع الانقلابيين.

وقد عملت الشرعية إلى جانب التحالف العربي على محاربة الإرهاب، فعقب سقوط المكلا عاصمة محافظة حضرموت بيد التنظيم في (أبريل/نيسان 2015)، تمكنت من استعادتها بعد ذلك بعام.

وبرغم أن تلك الأطراف القابضة على السلطة حققت ما تسعى إليه عبر استخدامها لورقة الإرهاب، لكنها لم تتمكن من تحقيق مكاسب كبيرة ودائمة، فكانت تلك الورقة خاسرة في نهاية المطاف، لكن الثمن الأكبر دفعه المواطن اليمني الذي كان مغررا به، أو ذهب ضحية إحدى تلك العمليات الإرهابية، أو عمليات مكافحة الإرهاب التي تشارك فيها أمريكا.

يُذكر أن عددا كبيرا من قيادات تنظيم القاعدة في اليمن قد قتلوا خلال السنوات الماضية، من بينهم ناصر الوحيشي، وأبو علي الحارثي، وأنور العولقي، إلا أن بعضهم لا يزال يؤدي الدور المطلوب منه لحساب السلطة الانقلابية في صنعاء.