الثلاثاء 16-04-2024 11:44:00 ص : 7 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ومشروع الدولة الوطنية - الحلقة الثانية 

السبت 30 ديسمبر-كانون الأول 2017 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت– خاص/ فهد سلطان

    

الدولة في فكر الإصلاح

ضمن جدلية الصراع القائم بين الأمم والشعوب تبرز الى الواجهة حقيقة الطرف الذي ينحاز الى الحق والعدل والخير, فهو الناموس الثابت ضمن قراءة فلسفية للتاريخ بصفة عامة والعربي منه بشكل خاص, ما يجعل مثل هذه السنن حقيقة وفق قوانين واقعية يمكن فهمها واستيعابها من واقع التاريخ ذاته.(1)

لقد انطلق الإصلاح " الحركة الإسلامية قبل التعددية" من فكرة "نسبية الحقيقة التاريخية" التي تجعل لكل زمان شروطه, ولكل مكان اشتراطاته, بمعنى عدم القفز على الواقع, وإنما السير معه وفق سنن لا تستفزه ولا تقفز عليه أو تهوي به الى الأرض, وهو المسار التي سيعتمده الإصلاح منهجاً في الإصلاح وأسلوبا دائماً في سيره نحو الدولة فكراً وممارسة. فمنذ ستينات القرن الماضي وحتى الإعلان عن التعددية الحزبية عام 90م العام الذي أعيده فيه قيام الوحدة اليمنية بين شطري اليمن شمالاً وجنوباً, كانت الدولة وفكرها هي القضية التي تمثل واحدة من احلام الحركة في إطار إعادة الوحدة العربية والإسلامية, تحت أي إطار جامع يحافظ على إنجازاتها ويحمي مصالحها ويحقق شروط التمكين فيها. 

وبما أن الدولة هي محرك التاريخ كما هو مقرر فلسفياً "فلا نهضة إلا بإصلاح الدولة وضمان وحدة القياد والبناء وعدالة الحكومة (2), ولذلك فمنذ اللحظات الأولى التي تعزز مفهوم الأمة لدى الحركة الإسلامية في اليمن, استشعرت طبيعة العمل المناط بها في بيئتها اليمنية, في لحظة سياسية بالغة التعقيد, وأن السير نحو الدولة لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يمر على قضايا ذات أهمية بالغة في نفس الوقت, ابتداء من تغير الذهنية اليمنية لدى عامة الناس نحو مفهوم الدولة, والتي تشوهت بسبب إرث الإمامة البغيض, والذي استمر لثمانية قرون وأكثر, مخلفاً دماراً وتشوهاً فكرياً وثقافياً ودينياً ايضاً. 

وهنا يمكن القول أن الإصلاح " الحركة الإسلامية" انطلقت من الإنسان الذي يقوم ذلك على فلسفة أن "لا نهضة إلا بعقيدة صالحة" وعليه يجب أن يكون الفرد على وعي كامل بالعقيدة الإسلامية الصحيحة, وتجاوز الجمود الحاصل والعمل على تعزيز مفهوم الإنسان الحامل لهذا المشروع التغيري والتنويري, وهنا سينكب خطاب الإصلاح طويلاً يسير وراء هذا الهدف غير أنه سيمر بتحولات جوهري بعد التعددية الحزبية وسيدخل في فضاء الدولة بصورة مباشرة.

تؤكد عدد من الكتب والأفكار والدراسات التي انتجتها الحركة الإسلامية طول فترتها لما قبل التعددية وخاصة لقيادات الصف الاول والثاني, أو تلك الدراسات التي تبنتها الحركة الإصلاحية, يتضح معها مفهوم الدولة, فالإصلاح صحيح أنه لم يتحدث عن الدولة وفق كتلة واحدة, إلا أنه تحدث عن محددات ومسارات تلتقي في المحصلة النهائية مع فكرة الدولة, فقد تحدث احد ابرز قيادات الحركة الإسلامية عن الحرية وعن الشورى والاستبداد وكتاب الميزان الإلهي في ميزان التفاضل والعصبيات(3), وهي دراسات وأفكار كانت تستهدف تعزيز الولاء والانتماء وتقديم فهم جديد لمفهوم الدولة الذي لم يكن قد تبلور في وجهة واضحة, وكانت تلك المحاولات تحاول أن تقدم تجربة إسلامية في إعادة الاعتبار لمفهوم الأمة الذي تم مصادرته ولم يستقر على طول التاريخ الإسلامي بالمفهوم الحقيقي القيمي.

وهنا يقرر ياسين عبدالعزيز في صراحة لا تنقصها المسؤولية في كتابه "الشورى والاستبداد" تضيق روح الاستبداد بالشورى الحقة لأنها تقدم رأي الأمة العاقلة على استبدادهم في الأمر ، وتجعل كلمتها الجماعية العادلة هي المتبوعة والمسموعة في الجملة وهم التابعون في القوامة عليهم وهو القوامون على أمرها برأي جميعها ، أو مجموعها وهم المنقذون لأمرها فيها والأجراء عندها فلا خيره لهم من أمرهم فيها إلا بإذنها وقرارها ، كما أن الطرفين لا خيرة لهم من أمرهم كلهم إلا بإذن الله عز وجل وأمره لأنه ذو الخلق والأمر فهم لأمره وأمر رسوله تبع .

إن الخطاب الدعوي كان هو الصوت المسموع للإصلاح ما قبل التعددية وهو صحيح بالنظر الى البيئة اليمنية, بل الابتداء من هذا الخطاب وقصده لم يكن عبطاً, بل كان هوية قائماً بذاته, فالمذهبية ضاربة اطنابها ومتجذرة في تركيب المجتمع, وهو ما سيعيق أي تحول حقيقي نحو الدولة, قبل البدء بإزالة العوائق والكوابح, ومنها ترشيد القبيلة وتهذيب المذهبية وتطويعهما لمفهوم الدولة. فقد غرست هذه المفاهيم لحماية النظم الحاكمة وابقاؤها مسيطرة على الأوضاع وهو ما سيكون المهمة أمام الإصلاح كبيرة بالنظر الى هذه القضايا التي كانت تفشل أي محاولة حقيقية للسير نحو دولة الناس أو سلطة الشعب.

كانت القضية التي سيعتمدها الإصلاح قائمة على "وحدة الشعب وسلطته, وأن تكامل المسؤوليات والواجبات والحقوق لا يستقيم إلا عن طريق العمل المشترك بين الحاكم والشعب, على اساس المحبة والتمكين من وسائل النهوض والتقدم, وهنا سيبلى الإصلاح بلاءً حسناً وهو يرسي تلك المفاهيم داخل المجتمع, وهو الى جانب أنه نجح بشكل كبير في قضايا فقد جانبه الصواب في بعضها وتعوق في أخرى لعدد من الاعتبارات قد نعرج على بعضاً منها في ثنايا هذه الدراسة لاحقاً.

 

وعي الإصلاح " الحركة الإسلامية" بمفهوم الدولة

"انطلقت الحركة الإسلامية في اليمن من منطلقات فكرية واضحة في تعاملها مع السلطة, وفي القلب منها الاعتقاد بأن المجتمع اليمني مجتمع عربي مسلم، وأن العلاقة بينها وبين الشعب اليمني، وبين القوى السياسية المختلفة بما فيها النظام, هي علاقة نصح وتعاون على الخير وليست علاقة تكفير أو تخوين أو استعلاء.(4)

 هذا الموقف الواضح " للإصلاح" في اليمن لم يجعله في يوم من الأيام ينظر الى الدولة على أنها كافرة أو مرتدة كما هو الحال لعدد من الجماعات الدينية المتطرفة الاخرى, بما يؤدي إلى أن تقف منها الحركة الإسلامية من الدولة موقف عداء وصدام، ولم يحدث هذا في تاريخ الحركة حتى في أسوأ الأحوال التي مرت بها اليمن. كما لم يحدث لدى الحركة اقتناع أنه يجب أن تعتزل المجتمع, أو تقوم بأعمال عنف وصدام, ومن هنا كانت علاقة الحركة بالدولة تقوم على أساس النصح والإرشاد والتوجيه ومحاولة الاستقطاب والكسب والتعاون على ينفع ضمن الصالح العام, الأمر الذي مكنها من مد جسور العلاقة وفتح لها أبواب التعاون مع المواطنين بمختلف شرائحهم, سواء كانوا من القبائل أو السياسيين أو المثقفين أو غيرهم, وانعكس هذا الأمر على الإصلاح قبل التعددية وبعدها.

يذهب الكاتب ناصر الطويل للقول "لقد اتسم الخطاب الرسمي للحركة الإسلامية طوال العقدين الأخيرين، - ما قبل عام 2000م - بالتركيز على قضايا: الانتخابات، والحقوق والحريات، ومستوى المعيشة ومعدلات الفساد والفقر والبطالة، والإصلاحات الاقتصادية، ونقد السياسات الحكومية، وشهد في المقابل تراجعًا واضحًا في المضامين الدعوية والوعظية، ومعه اقترب "التجمع اليمني للإصلاح" من أن يكون حزبًا مدنيًّا ذا مرجعية إسلامية، أكثر من أن يكون غطاء لحركة إسلامية، وبقدر ما أفاد هذا الخطاب في التركيز على القضايا العملية والحياتية التي تهم الناس، وتجذير الاتجاه العملي في التعامل مع الواقع، فإنه أخلّ بالاهتمامات التقليدية للحركة الإسلامية (الدعوية، والاجتماعية...الخ)، وأوجد فراغًا، نشأت بفعله القوى السياسية والاجتماعية التي تنافس الإسلاميين اليوم: الحوثيون، وفصائل الحراك، ونشطاء السلفيين، وتنظيم القاعدة.(4)

وأمام تنامي مفهوم الدولة القطرية الذي رافق سقوط الخلافة الإسلامية في عشرينات القرن الماضي, حتى الوصول الى مفهوم الدولة الوطنية فيما بعد التحرر من الاحتلال الأجنبي لأغلب البلدان العربية, حيث " لا تزال عموم الجماعات الإسلامية تستصحب الصورة النمطية الكلاسيكية لشكل الدولة الإسلامية وفق النموذج الإمبراطوري في زمن الفتوحات والاتساع كنموذج وحيد لشكل الدولة؛ فقد كان المنطق السائد في العلاقة بين الدول هو حرب الكل على الكل إلا في فترات هدنٍ محدودة أوفي دخول الدول الصغيرة في حماية الدولة العظمى مقابل دفع الجزية والولاء وحيث كانت الدولة تأخذ شرعيتها من قدرتها على شن الحروب وحماية ثغورها. (5)

هذا المفهوم السائد لدى أغلب الحركات الإسلامية كان الإصلاح قد تجاوزه بمسافات, ويمكن للدقة القول أن بداية التشكيل للحركة الإسلامية في اليمن قد ساورها هذا الفهم وسار معها لسنوات, وعلى الأقل بسبب الاحتكاك الذي رافق رموزها في تواجدهم في عدد من الدول العربية ومنها دولة مصر العربية, مصدر الاحتكاك الأبرز في تلك الفترة, لكنه تطور سريعاً لدى الحركة, والتي عرفت بديناميكيتها في سيرها نحو الدولة المنشودة, وأن كانت قد اختطت طريقة بطيئة للغاية في مرحلة ما قبل التعددية, بسبب طبيعة الأوضاع والقضايا التي كانت تشغلها.

.................

هوامش:

1-   "فلسفة التاريخ والحضارة في الفكر العربي دراسة عقلانية نقدية" صـ 2066.

2-   المصدر السابق

3-   ياسين عبدالعزيز القباطي احد ابرز المؤسسين للحركة الإسلامية " الإصلاح" اليمني.

4-   تاريخ الحركة الإسلامية في اليمن

5-   تحولات الحركة الإسلامية في اليمن" ناصر الطويل- الجزيرة نت

6-   الدولة الإسلامية في تصور الجماعات الإسلامية- مدونات الجزيرة.