السبت 04-05-2024 01:31:18 ص : 25 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في الذكرى الثلاثين لتأسيسه.. تجمع الإصلاح ودوره في تعزيز ثقافة النضال السلمي

الأحد 13 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

 

حرص التجمع اليمني للإصلاح، منذ تأسيسه في 13 سبتمبر 1990، على تعزيز ثقافة النضال السلمي وترسيخها باعتبارها أهم متطلبات العمل السياسي الديمقراطي، وكان لتزامن تأسيس تجمع الإصلاح مع ميلاد العهد الديمقراطي في اليمن الذي كان ملازما لإعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990، دوره في جعل الإصلاح يضع في أولوياته نشر وتعزيز ثقافة النضال السلمي، كآلية ديمقراطية لإصلاح اعوجاج السلطة الحاكمة والتعبير عن المطالب الشعبية المشروعة، وبما من شأنه تجنيب البلاد أي صدامات عسكرية قد تنشأ عن التدافع السياسي بين الشعب والسلطة الحاكمة أو بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على حد سواء.

وطوال تاريخه السياسي خلال الثلاثين عاما الماضية، استطاع التجمع اليمني للإصلاح الإعلاء من ثقافة النضال السلمي وجعلها المرتكز الأساسي للتعبير عن المطالب الشعبية، وهو بذلك يكون قد نجح في تجنيب البلاد من الوقوع في فخ الصراع المسلح في بعض محطات الاستحقاق الانتخابي أو في حالات تنامي الغضب الشعبي ضد النظام الحاكم، وفي بعض الأحيان كان يقدم تنازلات بهدف تجنيب البلاد الصراع كلما لمس تنمرا من قِبَل بعض الأطراف التي تهدد بالقوة المسلحة لتسوية الخلافات السياسية، كما أنه حتى في الوقت الذي فرضت فيه بعض الأطراف الحرب كأمر واقع، مثل انقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح على السلطة الشرعية أواخر عام 2014، فإن حزب الإصلاح ظل يعمل على تجنيب البلاد الانزلاق إلى الصراع المسلح حتى آخر لحظة، قبل أن يجد نفسه مضطرا للتحالف مع السلطة الشرعية في حربها على الانقلاب.

- الميلاد الديمقراطي للإصلاح

يتميز التجمع اليمني للإصلاح عن كثير من الأحزاب الكبيرة بأنه تأسس في وقت تم فيه إقرار التعددية السياسية والحزبية والديمقراطية في البلاد، بالتزامن مع الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة الوطنية في 22 مايو 1990، أي أنه تأسس في مناخ ديمقراطي تعددي، على عكس كثير من الأحزاب الكبيرة حينذاك في اليمن والعالم العربي، التي تأسست في زمن الشمولية وحكم الحزب الواحد وتجريم المعارضة السياسية، وانتشار ما عرف في العالم العربي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بظاهرة "زوار الفجر"، أي الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية وقت الفجر بحق كل من يشتبه بمعارضتهم لحكم الحزب الواحد، بعد تلقيها سيلا من التقارير الاستخباراتية التي ترصد وتحصي أنفاس كل من يشتبه بأنهم معارضون أو مستاؤون من أداء الحزب الحاكم، وهي ظاهرة أمنية شاذة، هزت الاستقرار، وضربت أمن المجتمع في عدة بلدان عربية، وكرست الاستبداد، ونسفت مجمل الأهداف التي رفعتها ثورات التحرر العربية من الاحتلال الأجنبي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

ونظرا لأن حزب الإصلاح تأسس في مناخ ديمقراطي تعددي، فقد انعكس ذلك على مجمل أدائه السياسي، علما بأن الكثير من القادة السياسيين الذين أسسوا حزب الإصلاح عام 1990 سبق لهم تولي مناصب مهمة والعمل في بعض مرافق الدولة قبل الوحدة وقبل تأسيس الحزب، مما أكسبهم خبرة مبكرة في المجال الإداري والسياسي، كما أن حزب الإصلاح، كتيار فكري وسياسي وطني يمثل امتدادا لحركة الإصلاح اليمنية التي كان من أبرز رموزها الإمام الشوكاني والمقبلي وابن الأمير الصنعاني وابن الوزير وغيرهم، يمثل تأسيسه كحزب سياسي عام 1990 خلاصة تجربة وطنية ثرية كان لها إسهاماتها البارزة في مختلف مراحل النضال الوطني ضد النظام الإمامي الكهنوتي المستبد، وكذلك فإن إقرار التعددية السياسية والحزبية يمثل خلاصة الأحلام التي رفعها أحرار اليمن خلال سنوات النضال ضد الحكم السلالي العنصري الإمامي الذي هدمت أركانه ثورة 26 سبتمبر 1962 الخالدة.

- النضال السلمي وترشيد الخلافات السياسية

من الطبيعي أن تنشأ خلافات سياسية في بلد يشهد تجربة ديمقراطية وليدة وغير ناضجة، وفي مجتمع ثقافته السياسية متواضعة، والنظام الحاكم لم يتعود على مبدأ التداول السلمي للسلطة والتسليم الكامل للإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع، وكل ذلك يعني أن الأوضاع مهيأة للانفجار في أي لحظة تصل فيها الخلافات السياسية إلى مرحلة حرجة، غير أن حزب الإصلاح، كأكبر حزب سياسي يمني منظم، ظل يعزز ثقافة النضال السلمي وينشرها في الأوساط الشعبية حفاظا على ما تحقق من هامش ديمقراطي، وحرص على أن تبقى الخلافات السياسية في مستوى محدد يمنع وصولها إلى مرحلة الصراع العسكري، وظل يحرص على جر الأطراف المتنمرة إلى مربع الحلول السلمية للخلافات السياسية، خاصة عندما لوح رئيس النظام الحاكم بالخيار العسكري عندما وصلت الحوارات بين أحزاب المعارضة والحزب الحاكم إلى طريق مسدود بعد انتخابات 2006 الرئاسية، بسبب حرص النظام الحاكم على جعل تلك الحوارات مجرد "عبث سياسي" إن جاز التعبير.

كما أن حزب الإصلاح كان يحرص على نشر وتعزيز ثقافة النضال السلمي أكثر كلما ازداد تنمر النظام الحاكم الذي كان يعمل على إفراغ الهامش الديمقراطي من مضمونه وجعل الديمقراطية مجرد ديكور يزين به وجهه القبيح، وكانت المحطات الانتخابية المختلفة تثير مخاوف النظام الحاكم لدرجة أنها تفقده توازنه، كلما رأى أن حجم السخط الشعبي يتزايد نتيجة تفشي البطالة وارتفاع الأسعار وفقدان الأمل بتحسن الأوضاع المعيشية، ويقابل حزب الإصلاح ذلك بتعزيز ثقافة النضال السلمي أكثر وأكثر حرصا على السلم الاجتماعي وحفاظا على ما تحقق من هامش ديمقراطي، وجعل من مبدأ النضال السلمي شعارا لمؤتمراته العامة الأخيرة بعد أن ازداد التوتر في البلاد شمالا وجنوبا بسبب اندلاع الحرب في صعدة وظهور مطالب الانفصال في جنوب البلاد.

ففي فبراير 2005، عقد حزب الإصلاح مؤتمره العام الثالث بصنعاء تحت شعار "النضال السلمي طريقنا لنيل الحقوق والحريات"، وكان ذلك تدشينا لمرحلة جديدة من النضال السلمي بعد أن ازدادت الأوضاع المعيشية سوءًا، وتنامي السخط الشعبي إزاء النظام الحاكم بسبب ما كان يطلق عليها "الإصلاحات الاقتصادية"، التي كانت تعرف شعبيا بـ"الجُرع"، والتي كانت في حقيقتها أزمات اقتصادية منهكة للشعب. وبعد وصول الأزمتين السياسية والاقتصادية ذروتهما بعد انتخابات 2006 الرئاسية، عقد حزب الإصلاح مؤتمره العام الرابع، في فبراير 2007، تحت شعار "النضال السلمي طريقنا للإصلاح الشامل"، وفيه دعا جميع أعضائه وأنصاره وحلفائه للدفاع الشامل عن الحقوق والحريات بمختلف الوسائل السلمية، بعد أن أخذ النظام الحاكم يقود البلاد إلى نفق مظلم.

- تنازلات من أجل السلام

ارتبطت الأزمات السياسية التي ظهرت في البلاد بعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية وميلاد التعددية السياسية والحزبية عام 1990، بمختلف المحطات الانتخابية، وهذا يمثل نتيجة طبيعية للمخاوف التي كانت تعتري النظام الحاكم، أو الحزب الحاكم، من نتيجة الانتخابات، مما يفقده توازنه، ويجعله بعد كل استحقاق انتخابي يفتعل أزمات بهدف التلويح بعصا العنف في وجه خصومه السياسيين من جانب، والتهرب من الوفاء بتنفيذ برنامجه الانتخابي من جانب آخر. فمثلا، بعد انتخابات 1993 البرلمانية، اندلعت حرب صيف 1994 الأهلية. وبعد انتخابات 1997 البرلمانية، اندلعت أزمة سياسية بسبب تزوير الانتخابات وتردي الأوضاع المعيشية، ثم خروج حزب الإصلاح من الشراكة في السلطة إلى المعارضة.

وبعد انتخابات 1999 الرئاسية، نشبت أزمة سياسية صامتة داخل أجنحة النظام الحاكم بسبب البدء في تشكيل جيش عائلي أطلق عليه "الحرس الجمهوري" ليكون حاميا لمشروعي التوريث والتأبيد. وبعد انتخابات المجالس المحلية (2001)، ازدادت الأزمة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة مما دفعها لتشكيل تحالف سياسي أطلق عليه "اللقاء المشترك". وبعد انتخابات 2003 البرلمانية، اندلعت الحرب في صعدة منتصف العام التالي (2004). وبعد انتخابات 2006 الرئاسية، ظهر الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال في الربع الأول من العام 2007، كما استمرت الحرب في صعدة، وبلغت الأزمة السياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة ذروتها، ثم تنامى السخط الشعبي المتسارع، والذي بلغ ذروته باندلاع ثورة شعبية سلمية في 11 فبراير 2011، بعد تلويح النظام الحاكم بفرض مشروعي التوريث والتأبيد من خلال التعديلات الدستورية العبثية وما يسمى "تصفير العداد".

وبما أن الاستحقاقات الانتخابية كان النظام الحاكم يحولها إلى أزمات سياسية، ويلوّح خلالها بإلغاء العملية الديمقراطية وحل الأحزاب، فإن حزب الإصلاح ظل يقدم التنازلات تلو التنازلات تجسيدا لنهجه السياسي السلمي من جانب، وحفاظا على ما تحقق من هامش ديمقراطي من جانب آخر، فقد قبل بأن يكون في المرتبة الثالثة بعد انتخابات 1993 البرلمانية بعد أن وضعته نتيجة الانتخابات في المرتبة الثانية مما أفزع الحزبين الحاكمين شريكي الوحدة، المؤتمر والاشتراكي. وفي انتخابات 1997 البرلمانية، تقبل نتائجها رغم التزوير وانتقل من الشراكة في السلطة إلى المعارضة، كما أنه شارك في تلك الانتخابات رغم مقاطعة مختلف الأحزاب لها، غير أن مشاركته فيها جاءت بعد أن لوح الرئيس صالح بإلغاء العملية الديمقراطية وحل الأحزاب في حال قاطعت جميعها الانتخابات.

وفي انتخابات 1999 الرئاسية، أعلن حزب الإصلاح أن مرشحه في الانتخابات هو علي عبد الله صالح قبل أن يعلن حزب المؤتمر مرشحه في الانتخابات، وكانت مشاركة حزب الإصلاح في تلك الانتخابات من أجل الحفاظ على الهامش الديمقراطي من جانب، ومن جانب آخر مسايرة لعلي صالح الذي كان يريد مرشحا منافسا هامشيا يؤدي دور "الكومبارس" في انتخابات عبثية يسعى من خلالها لتجديد مشروعيته الشعبية.

- ترويض "الحاكم" سلميا

وفي المحطات الانتخابية التالية، كان حزب الإصلاح يحرص على عدم منافسة الحزب الحاكم إلا في دوائر انتخابية محدودة وليس في جميع الدوائر، لعلمه بأن الحزب الحاكم قد يشعل حربا أهلية أو يلغي العملية الديمقراطية برمتها خوفا على كرسي الحكم، وكان حزب الإصلاح ينتهج مبدأ الحفاظ على الهامش الديمقراطي وتنميته وترسيخه تدريجيا من خلال النضال السلمي البناء الذي كان يعمل على نشره وترسيخه، حتى يأتي وقت تنضج فيه العملية الديمقراطية ويتقبل الحزب الحاكم نتائجها مهما كانت، ويكون الشعب هو الحارس الأمين على الديمقراطية التي تمثل أبرز المكتسبات الوطنية.

غير أن تسارع وتيرة الأحداث بعد ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، التي مثلت ذروة النضال السلمي ضد النظام الحاكم، أفرزت متغيرات سياسية جديدة، كانت نتيجتها غير مقبولة بالنسبة للرئيس السابق علي صالح والإمامة السلالية العنصرية الجديدة الممثلة بمليشيات الحوثيين، وتحالف الطرفان للانقلاب على السلطة الشرعية، وعسكرة الثورة الشعبية السلمية، وجعل "الحرب" الخيار الوحيد الذي حل مكان "النضال السلمي" لتسوية الخلافات السياسية.

كلمات دالّة

#اليمن