الجمعة 29-03-2024 01:42:28 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

جهود الأمم المتحدة.. ما هو السلام الذي تريده اليمن؟ 

السبت 09 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 06 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ عدنان هاشم

   

في أغسطس/آب 2016م أعلن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ انتهاء مشاورات حل الأزمة اليمنية في الكويت، واعداً بجولة أخرى بحلول شهر سبتمبر/أيلول من نفس العام، واليوم وبعد أكثر من عام فشلت الأمم المتحدة في جمع مليشيات الحوثي وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة والحكومة الشرعية -المعترف بها دولياً- من جهة أخرى، للمشاورات من جديد. "ولد الشيخ" يركز في مهمته على تقارب الطرفين، وهي مهمة جليلة لولا أن الكثير شفافية الخُطط ينقصها.

لم تكن مشاورات الكويت آخر الجهود الأممية والدولية لحل أزمة اليمن، بل إن هناك جهوداً موازية ومستمرة لا تظهر على الإعلام وتتجنب الحديث حولها في تبرير أنها قد تفشل إذا تم إظهارها للرأي العام. وتشمل دولاً عديدة في أوروبا ومسقط وفي الرياض وفي عمّان؛ حيث يعكف سفراء الدول دائمة العضوية على محاولة صياغة انتقال جديدة للبلاد، ترضى الطرفين، لكن هل ترضي اليمنيين؟!

تتوقع وحدة الخبراء في مجلة "اكنوميست" البريطانية في توقعاتها لليمن بين (2017-2021) أن يكون هناك سلامٌ هش في اليمن بنهاية العام مع اندلاع القتال مجدداً في الأعوام الثلاثة اللاحقة.

يذهب اتفاق متوقع نحو مرحلة انتقالية تُشكل حكومة وحدة وطنية، بالرغم من أن الحوثي/صالح يقفون عند عُقدة وجود "الشرعية" التي انتخبها اليمنيون وتوافقت عليها القوى السِّياسية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، فهم يسعون إلى استهداف هذه الشرعية بكل طرقها الممكنة من أجل إلغاء شرعية عملية عاصفة الحزم، التي قامت دعماً للرئيس وللسلطة المُنقلب عليها في سبتمبر/أيلول 2014م.

وما تراعيه الأمم المتحدة في هذا الشأن أمرين مهمين:

-     لا يمكن أنَّ تكون هناك مشاورات وفقاً لخصمين متعادلين في الشرعية والمشروعية؛ فالشرعية والمشروعة تقوم على أساس وجود تمثيل شعبي (تم انتخابه) يحافظ على العملية السِّياسية والتجربة الحزبية التنافسية في البلاد، وما يمثله في اليمن هو الرئيس والبرلمان؛ ووضوح هذا المعنى للحوثي/ صالح وإيمانهم به والتزامهم به هي الخطوة الأولى نحو مشاورات حقيقية. وكانت الأزمة في جوهرها عندما اجتاح تحالف الحوثي/صالح صنعاء هي موافقة الأمم المتحدة على اتفاق سُميّ "السلم والشراكة"، وأقيل على إثره حكومة الوفاق (انتقالية) وقُلّصت صلاحيات السلطات التشريعية والرئاسية لصالح الأقوى بالسلاح حتى تم حلّ البرلمان في فبراير/شباط 2015م وتعليق العمل بالدستور من قِبل الحوثيين، قبل أن تبدأ عمليات التحالف التي أعلن عنها في الشهر التالي. فشرعنة الأمم المتحدة لتلك القرارات والرؤى كانت سبباً في تعقيد الأمور اليوم.

-     أنَّ إطالة أمد الحرب لا يسهل مهامها بل يزيدها تعقيداً، واستخدام التأييد الدولي للضغط من أجل تحقيق تقدم -وفقاً للأمر- الأول سيسهل مهمتها في البلاد، ويمكن لها ملاحظة مدى تعقيد إحضار الطرفين علناً في مشاورات منذ بداية عام 2017م عما كان عليه العامان السابقان.

"السلام الهش" -حسب خبراء اكنوميست- ليس أملاً يمنياً وإن كان ملاذاً للأمم المتحدة لتحقيق تقدم وفقاً لمعطيات -من وجهة نظرها- تعتبر حلاً مبدئياً يخفف الاحتقان في البلاد، لكنه في نفس الوقت تأجيل لدورة جديدة من الصراع أشد عنفاً.

 في استطاعة الأمم المتحدة والتحالف العربي قيادة اليمن للخروج من الأزمة بخلق عملية سلام تمثل نسبة أكبر من مصادر ومصالح قلق اليمنيين، أكثر مما يحدث حلياً بخلق افتراضات وامتيازات الأطراف المشتركة داخل هذه الأزمة وتنفيذ رغباتها. تستطيع السعودية ومنطقة شبه الجزيرة العربية تأمين أمنها القومي من خلال سلام مستدام في اليمن، وهذا لا يحققه "سلام" مبني على استحواذ سلطة/قوة خارج أطرها الدستورية والقانونية، ولذلك فإن مرحلة انتقاليه لا يسبقها نزع للسلاح الثقيل/المتوسط من المجموعات المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة وعلى رأسها جماعة الحوثي المسلحة فإن ذلك يمثل مخاطرة كبيرة.

ولذلك يمكن أن نشير بخصوص المرحلة الانتقالية إلى عِدة أمور ونقاط لنجاحها.

-     فترة انتقالية بمدة قصيرة، وحسب جليان شويدلر (كبير الباحثين في مركز رفيق الحريري) فإن اليمن في فترة ما بعد الحرب قد تشهد فترة انتقامية طويلة الأمد، حافلة بمطالب القصاص، مما سيحصر الدولة في إطار من تدهور الأوضاع الأمينة وفترات من العنف المتكرر، بدلاً من الاستقرار والأمن.

-     سرعة عودة المؤسسات المنتخبة في البلاد، وإحداث حراك أوسع لإقرار مسودة الدستور والاستفتاء عليها والتي تمثل مخرجات الحوار الوطني التي توافق عليها كل اليمنيين بمن في ذلك الحوثيون وأنصار صالح. فحكومة لا يراها اليمنيون شرعية وممثلة للشعب، ستعاني من أجل مجابهة هذه الانشقاقات الخطيرة داخل مجتمع مسلح بصورة كبيرة.

-     وجود حكومة (متعددة الولاء) لا يمكنها أن تحقق استقراراً، في ظل اعتمادها -بالتأكيد- على المساعدات والمنح الخارجية. ومع إيمان اليمنيين بحق الشراكة في مرحلة انتقالية إلا أن ذلك يجب أن يرتبط ببسط نفوذ الدولة وبقاء السلاح حصراً للسلطة التنفيذية. أما بقاء أسلحة الحوثيين، والمجموعات الأخرى التي تعمل خارج السلطة الشرعية، خلال الفترة الانتقالية سيعني بالتأكيد حروب صغيرة داخلية وانفجارات متلاحقة للوضع.

-     عودة علي عبدالله صالح أو أي من أفراد عائلته للسلطة أو منصب رسمي أو حتى ممارسة السياسة في البلاد، فتلك العائلة مرتبطة بخلق نمط لدى المواطنين مرتبطاً بموروثات المحسوبية وعدم الثقة ما سيمثل عائقاً أمام نجاح الفترة الانتقالية، كما أنها ستسبب في إطالة عملية إعادة البناء. كما أن معظم التكوينات المجتمعية (القبلية- السياسية-الجماهيرية) كانت فردية أو جمعية تنظر إلى "صالح" وعائلته بنظرة الانتقام جراء ما أحدثه نظام حكمه في الدولة والمجتمع واستهداف الأشخاص.

-     يجب ألا تتناسى الفترة الانتقالية وما بعدها العدالة المجتمعية وحق الضحايا في محاسبة المسؤولين على أية جرائم ارتكبت في البلاد، كما أن من الضروري أن ترتبط المرحلة الانتقالية بتدشين معالجة "المظالم" الفردية والجمعية خلال فترة ما بعد اجتياح صنعاء 2014م وما بعد ثورة فبراير/شباط 2011م بما أن مخرجات الحوار الوطني قد عالجت المظالم حتى 2011م.

أن تعمل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وفق رؤية شاملة ليس للصراع فحسب بل لنزع أي فتيل متوقع للانفجار في مستقبل اليمن القريب، هو ما يرغب به سكان اليمن، رؤية تضمن حقوق الضحايا وتؤمن بالديموقراطية والتعددية حل أمثل مع بقاء السلاح حصراً بيد السلطة التنفيذية.