الخميس 28-03-2024 23:19:28 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

حزب المؤتمر في السلطة والثورة والانقلاب

الأربعاء 23 أغسطس-آب 2017 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ محمد المقبلي* (الحلقة الأولى)

 

الحركة السياسية في اليمن شهدت حضوراً مبكراً في تاريخ اليمن الحديث منذ أن رفع اليمنيون في الشطر الشمالي لافتة الدستور، وهي إشارة إلى عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الحكام والمحكوم.

 

نشطت الحركة السياسية في اليمن منذ الأربعينيات حتى نهاية الخمسينيات، وتميزت بتجربة التعدد الحزبي غير المعلن، حيث ظهرت في الشمال جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحزب الأحرار، والاتحاد اليمني، كما ظهر في الجنوب الاتحاد الشعبي، ورابطة أبناء الجنوب، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب.

 

في الستينيات حتى نهاية الثمانينيات استمرت الحضور السياسي بين الشد والجذب، وشهدت بعض المراحل توقف النشاط الحزبي الحر، وتحول العمل السياسي من العلن إلى السرية مع طغيان الملامح العقائدية والأيديولوجية، وتكرس بذلك حكم الحزب الواحد في شطري اليمن.

 

  الحالة الحزبية في اليمن    

 

الحالة الحزبية في اليمن تعكس تمثيل التيارات الفكرية وربما الاجتماعية - شأنها في ذلك شأن أغلب الدول العربية، وتعبر عن تيارات سياسية متعددة؛ منها الإسلامي والقومي واليساري، ومنها أحزاب ظلت محافظة على وجودها بعد أن كانت قائمة إبان حكم الحزب الواحد، فضلا عن أحزاب صغيرة هنا وهناك تنحصر قاعدتها الشعبية في أعضائها المؤسسين.

 

ميلاد التعددية السياسية في اليمن

 

  إعلان ميلاد الدولة اليمنية الجديدة في 22 أيار/ مايو 1990 كان أهم حدث سياسي واقتصادي في تاريخ اليمن الحديث كله، وبخاصة أنه تزامن مع رزمة من التحولات العميقة التي ألقت بظلالها على مسار التطور اللاحق للدولة اليمنية الجديدة - الجمهورية اليمنية. ولعل أبرز هذه التحولات هي قيام نظام سياسي - قانوني واقتصادي جديد مغاير لما كان سائداً في شطري اليمن قبل التوحيد. فالجمهورية اليمنية قامت على أسس التعددية السياسية والليبرالية الإقتصادية التي كفلها دستورها في أكثر من مادة وأكثر من موضع. فالمادة (5) من دستور الجمهورية اليمنية تنص على أن "يقوم النظام السياسي للجمهورية اليمنية على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً..."، "ويقوم الاقتصاد الوطني – طبقاً للمادة (7) على أساس حرية النشاط الاقتصادي..."، و "ترعى الدولة حرية التجارة والاستثمار.. "بموجب المادة (10). هذا الإطار الدستوري الجديد والفريد لدولة الوحدة يجعل من مستقبل الممارسة السياسية ذات الصيغة التعددية المحمولة على مبادئ وأسس الاقتصاد الحر أمر يحدده ويعنونه توازن القوى الاجتماعي المادي في المجتمع. وتؤكد المادة (4) من هذا الدستور "أن الشعب مالك السلطات ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة.

 

  الحزبية في اليمن ـ قراءة حالة المؤتمر

 

مـن المعلـوم أن الحزبيـة فـي اليمن لم تظهر بشكل علني ومتعدد إلا بعد قيـام الوحـدة اليمنيـة، وهـذا يعنـي أن الحزبية لم تكن منعدمة قبل ذلك سواء في الشمال أو الجنـوب, بـل كانـت موجـودة بشكل لا يسمح لها بالممارسة وإن بدت بعض مظـاهر الحزبيـة فيمـا كـان يسـمى بالشطر الجنوبي سابقاً إبان الاحتلال.

 

 المجتمع اليمني على درجة عالية من الوعي السياسي والفاعلية والقدرة على معاينة الأمور والحكم العقلاني عليها والتأثير في الشأن العام، وهو شعب مسيس وعلاقاته الاجتماعية تسهم في إثراء الحياة السياسية في كثير من الأحيان.

 

الجذور الأولى للمؤتمر الشعبي العام

 

المؤتمر الشعبي العام تم الحديث عنه في زمن الرئيس إبراهيم الحمدي، وهو ثالث رئيس جمهوري تولي مقاليد الحكم الجمهوري 13 يونيو 1974، وتعرض لاغتيال سياسي في أكتوبر 1977، وتم الحديث السياسي والإعلامي عن تشكيل التنظيم الشعبي الذي حمل اسم المؤتمر الشعبي العام.

 

تم إعلان المؤتمر الشعبي العام ككيان سياسي في الشطر الشمالي 24 أغسطس 1982 ككيان سياسي وحيد مقابل للكيان السياسي الوحيد في الشطر الجنوبي الحزب الاشتراكي اليمني، كما هو واضح من الدوافع السياسية والنقاشات والتداولات خصوصاً أن إشهاره كان في أحداث سياسية وصراعات وانتشار سياسي للاشتراكي في الشطر الشمالي تحت لافتة الجبهة الوطنية خصوصاً في المناطق الوسطى التي شهدت صراعات كانت الجبهة الوطنية حينها ترفع لافتة الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وكان النظام يتهمها بالتخريب والعنف.

 

معلومات أساسية عن المؤتمر الشعبي العام

 

ـ المؤتمر الشعبي العام:

 

- تاريخ التأسيس: 24 أغسطس 1982م.

 

- تاريخ التقدم للتسجيل في لجنة شؤون الأحزاب 4/7/1416  الموافق 26/11/1995م.

 

- تاريخ حصوله على قرار التسجيل من لجنة شؤون الاحزاب 9/8/1416هـ الموافق 31/ 12/ 1995م.

 

رئيس الحزب: علي عبدالله صالح.

 

نائب رئيس الحزب- الأمين العام للحزب: عبد ربه منصور هادي.

 

النائب الثاني للحزب بعد المؤتمر العام السابع: د/ عبد الكريم الارياني.

 

نبذة تعريفية:

 

- هو التنظيم الحاكم في الجهورية العربية اليمنية سابقاً من عام 1982م وحتى مايو 1990م.

 

- تقاسم السلطة مع الحزب الاشتراكي اليمني من تاريخ تحقيق الوحدة 22 مايو 1990م وحتى 27/ ابريل 1993م.

 

- شارك في حكومة ائتلاف ثلاثية مع الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح من مايو 1993م وحتى 7 يوليو 1994م.

 

- شارك في حكومة ائتلاف ثنائية مع التجمع اليمني للإصلاح من يوليو 1994م وحتى ابريل 1997م.

 

- شكل حكومة جميع أعضائها من المؤتمر الشعبي العام باستثناء اثنين ليس من أعضاء المؤتمر في مايو 1997م برئاسة الدكتور فرج بن غانم.

 

- شكل حكومة أخرى جميع أعضائها من المؤتمر الشعبي العام في مايو 1998م برئاسة د عبدالكريم الارياني.

 

- شكل حكومة في عام 2001م وحكومة أخرى في عام 2003م برئاسة الأستاذ/ عبد القادر باجمال.

 

- شارك في الانتخابات النيابية العامة في ابريل 1993م وحصل على 123 من إجمالي مقاعد مجلس النواب (301) وبنسبة 41%.

 

- حصل في الانتخابات النيابية الثانية 27 ابريل 1997م على 226 مقعداً؛ أي ما نسبة 75% من إجمالي مقاعد مجلس النواب.

 

- حصل في الانتخابات النيابية الثالثة 27 ابريل 2003م على 229 مقعد؛ أي ما نسبته 76.08%. من إجمالي مقاعد مجلس النواب ( 301) .

 

 - شارك في الانتخابات المحلية فبراير 2001م وحصل على الأغلبية.

 

- رشح في الانتخابات الرئاسية 2006م الرئيس علي عبدالله صالح، وفاز بنسبة 78%.

 

- شارك في الانتخابات المحلية 2006م وحصل على نسبة 80% من المقاعد على مستوى الجمهورية.

 

- عقد المؤتمر الشعبي العام 7 مؤتمرات اعتيادية.

 

- عقد الحزب أربع دورات للجنة الدائمة.

 

ـ تباينت وجهة نظر كوادره وأعضائه في ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية بين مساند ومنضم إلى الثورة، وبين متصالح مع الثورة وبين مخاصم ومعادٍ للثورة.

 

ـ وقع على تسوية سياسية عرفت بالمبادرة الخليجية، وشارك في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت بعد ثورة الشباب، وشارك في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

 

ـ انقسم إبان فترة الانقلاب التي قادها جناح منه مع مليشيات الحوثي، وتوزع المؤتمر بين مساند للشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي المنتخب بشكل توافقي بعد ثورة الشباب، وبين متحالف مع جماعة الحوثي ، وهو الجناح الذي يقوده الرئيس السابق الذي تم الإطاحة به بثورة شعبية سلمية.

 

أدبيات المؤتمر بين النظرية والتطبيق:

 

 يمثل الميثاق الوطني لحزب المؤتمر من الناحية النظرية الرؤية الفكرية والسياسية لحزب المؤتمر وهو أقرب إلى الرؤية السياسية للسلطة الحاكمة لحظة إشهار المؤتمر اكثر من كونه رؤية سياسية لحزب سياسي، ولذلك لم يطرأ على تلك الوثيقة السياسية والفكرية تحديثات جوهرية، كما هي الرؤى السياسية والفكرية للأحزاب السياسية التي يتم تجديدها وتحديثها في المؤتمرات العامة للأحزاب السياسية او المراجعات النقدية التي تتم في الندوات واللقاءات التنظيمية الداخلية.

 

 وظلت تلك الوثيقة حالة نظرية جامدة وثابتة إضافة إلى أنها لم تكن الأساس الفكري الذي يتم تنشئة أعضاء الحزب عليها وظل الفراغ الفكري هو الحاضر الأبرز لدى كوادر المؤتمر باستثناء القادمين من أحزاب أخرى، ويعتبر أعضاء وكوادر المؤتمر اقل أعضاء الأحزاب من حيث الخلفية الفكرية والسياسية.

 

 ـ من الناحية السياسية يعتبر الميثاق الوطني أهم رؤية سياسية وفكرية لحزب المؤتمر الشعبي العام، وهو الأساس الذي على ضوئها صيغة بقية أدبيات المؤتمر الشعبي وخطابه وخصوصاً اللائحة الداخلية.

 

الجذور الفكرية للميثاق الوطني كما هو واضح في مقدمته جذور ثورية جمهورية إلا أن المراقب والمتابع للمسلك السياسي لحزب المؤتمر إبان حكم صالح لم يلحظ سلوكاً ثوريا وجمهوريا باستثناء الالتزام في الخطاب الجمهورية من قبل المؤتمر الذي كان يحضر باعتباره حزب السلطة أكثر من كونه حزباً سياسياً ..

 

وبحسب ما جاء في الميثاق "إن المؤتمر، وهو يتقدم إلى الأمام في ظل الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر)، يستند في ذلك إلى رصيد ضخم من حصانة العقيدة، وعراقة التاريخ".

 

وتأكيداته أن الثورة اليمنية لم تكن ثورة ضد نظام حكم مستبد فاسد، أو ضد مستعمر داخلي فحسب، بل كانت أيضاً ثورة إنسانية ضد ركود الحياة على الأرض اليمنية، ذلك الركود الذي أبقاها تعيش في عهد من العهود المظلمة، ولذلك فإن الثورة اليمنية عندما قضت على الحكم الفردي المستبد المتخلف الذي استغل اسم الدين لتضليل الشعب وإخضاعه وأعلنت قيام النظام الجمهوري بأهدافه الديمقراطية سياسياً واجتماعياً، وأنهت الاحتلال الأجنبي، جاءت لتعيد للدين جوهره ونقائه، وجاءت -في الوقت نفسه- لتحرك جهود الزمن، وتقفز بالحياة قفزة هائلة، تنقلها من العهود المظلمة إلى الحياة المتطورة في القرن العشرين.

 

وهنا تحوي المضامين الفكرية للميثاق مناهضة الحكم الفردي إلا أن المؤتمر -طوال فترة حكمه- كان مظلة سياسية للحكم الفردي باعتراف بعض قياداته وكوادره الذين التحقوا بالثورة ومن بينهم الدكتور الإرياني أكثر القيادات المؤتمرية حنكة سياسية ووعياً فكرياً عندما قال أول ثورة الشباب "إن صالح متمسك بالحكم الفردي ولا يمكن ان ينقل السلطة للشعب، وسيظل متشبثا بها ولن ينقلها حتى لنجله"، ودونت هذا النقاش في دفتري الخاص.

 

 الاستراتيجية في اليمن:

 

ـ الحرية والديمقراطية في حزب المؤتمر بين النظرية والتطبيق.

 

شهدت أدبيات المؤتمر وخطابه وإعلامه حضوراً كبيراً لمفردات الحرية والديمقراطية، بل إن الميثاق الوطني ذاته افرد لها مساحة كبيرة في أدبياته وإثرائها بخلفية فكرية واسعة باعتبارها فطرة بشرية الاعتداء عليها أو الاحتكار لها يعتبر اعتداء على حق من حقوق الإنسان وتحدٍ لإرادة الله.

 

إلا أن مسلك حزب المؤتمر الذي كان يمتلك الأغلبية المريحة في مجلس النواب كان على الضد من مسلك الحرية الشعبية وخصوصاً حرية التعبير وحرية التظاهر. وشهدت حرية التعبير وحرية التظاهر انتهاكات واسعة تجاوز التنديد بها الحالة اليمنية الى الحالة الإنسانية التي نددت بانتهاكات حقوق الإنسان والحقوق المدنية وحرية التعبير وخصوصاً منذ انطلاق الحراك السلمي الجنوبي إلى ثورة الشباب.

 

  الديموقراطية:

 

يشير الميثاق الوطني إلى أن الديمقراطية المتكاملة -فكراً وسلوكاً هي الضمانة الأساسية لحماية الحريات.. ولقيام علاقات سوية متطورة بين مؤسسات الحكم، وبين الشعب والدولة، وبين الفئات الشعبية نفسها، وبين المواطن والوطن. ويؤكد أن الديمقراطية تعني أن الدولة بمختلف سلطاتها حق الشعب، ومن ثم فالشعب مصدر السلطة جميعاً.

 

 غير أن الواقع الملموس يشير إلى أن ثمة هامش ديمقراطي كان حاضرا في اليمن ولا يستطيع متابع إنكاره إلا أنه طوال فترة حكم المؤتمر الذي أوكل حكم اليمن إلى ذهنية فردية عائلية شهدت الديمقراطية ركودا وتراجعا وتقلصت المشاركة السياسية وتم إفراغ العملية الديمقراطية من مضمونها باستخدام المال العام وتزوير الانتخابات من خلال تزوير سجل الناخبين بحسب تقارير دولية.

 

   المؤتمر من الداخل

 

شمل المؤتمر العديد من التيارات في صفوفه لكن الواجهة العريضة لقوى إسلاميين وبعثيين وقوى اجتماعية والجهاز البيروقراطي للدولة وكما هي لوائح المؤتمر التي صممت لحزب حاكم وليس لحزب سياسي ومن بينها أن رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر.

 

ومن بين قائمة أعضاء اللجنة العامة وهي المكتب السياسي للمؤتمر وأعضاء اللجنة الدائمة وهي الجمعية العمومية من أصبحوا ضمن هيئات المؤتمر العليا بناءً على منصبهم الحكومي وليس بناء على نشاطهم الحزبي والتدرج التنظيمي كما هي أبجديات العمل الحزبي المؤسسي ..

 

...............................................................

 

المراجع

 

ـ دستور الجمهورية اليمنية

ـ الميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي العام

ـ رسالة ماجستير أمين السفياني ـ جامعة عدن

ـ الأحزاب السياسية اليمنية ـ سيدي احمد سالم الجزيرة نت

ـ الأحزاب السياسية العربية ـ(حالة اليمن) د. فؤاد الصلاحي ـ د. محمد الميتمي

ـ بيانات وأدبيات ثورة 11 فبراير

ـ لقاءات شخصية للباحث.

 

* كاتب وباحث