السبت 20-04-2024 09:57:23 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الجيش اليمني بين العائلة والحوثنة

الإثنين 21 أغسطس-آب 2017 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص

صعد علي صالح إلى السلطة بعد عملية اغتيال الرئيسين الحمدي والغشمي عام 1978، وكانت أصابع الاتهام تشير إليه كونه دبر عمليات الاغتيال لإزاحة الرجلين من طريق السلطة ليصل إليها بأقصر الطرق، وحقناً للدماء ولكي تستقر البلاد تم القبول به رئيساً اضطرارياً في تلك المرحلة حتى لا تتواصل عمليات الاغتيالات مدعوماً من تيارات مختلفة بمن فيهم التيار الإمامي الذي سيعمل صالح لاحقاً على تمكينهم من كل مفاصل الدولة وعلى رأسها الجيش اليمني.
ومنذ اللحظة الأولى من تمكن صالح في السلطة عمل على خداع الجميع أنه إلى جانبهم، وبدأ تدريجياً بتمكين أقربائه وأصدقائه وداعميه في الجيش، وثبتهم على أهم مفصلي الدولة؛ القوات المسلحة والأمن.


ثم كون الحلقة الثانية من الموالين له من أصدقاء قدامى وغيرهم بعيداً عن قوى المجتمع الحقيقية، ثم شراء المشيخات ترغيباً وترهيباً كما يعرف القصة كل اليمنيين؛ فقام بتوزيع الثروة على الرؤوس المعروفة في البلد، ورسم له خط التملك منذ اللحظة الأولى، وقام بتوزيع بعض القوى في مناصب الدولة بما يعينه فقط على تجاوز مراحل معينة ما يلبث أن يطيح بها بعد تكوين قوى محيطة به لا تستقل بقرارها عنه.


ورغم ذلك كان اليمنيون ينظرون للرجل بحسن نية ويأملون في بناء اليمن بالتعاون معه، وبقيت حسن النوايا والتطلعات الخيرة للشعب شمالاً وجنوباً لتوحيد اليمن أسست لفترة التسعينيات باكتمال حلمهم بإعادة الوحدة المباركة في الثاني والعشرين من مايو 1990.


أغرى الاستقرار النسبي، والتفات اليمنيين نحو البناء، علي عبدالله صالح بعد تمرسه على السياسة والحكم، ودعم أركان نظامه بعوامل قوة جديدة بعيدة عن التي بناها واعتاد عليها اليمنيون في الفترة الماضية وسيطرته على مفاصل الدولة، وتضليله على الشعب بالكلمات الجوفاء من الشعارات البراقة وغيرها، وبداية نشأة جيل عائلته وأبنائه، عمد إلى التفكير في توريث الحكم لجيل الأبناء.

  

تفريق مؤسسة الجيش
وبدأ في دك مقومات وقوة المجتمع والدولة في العهد الماضي واللعب على المتناقضات، وخلخلة النسيج الاجتماعي عبر إظهار العصبيات القبلية والمناطقية، وبدأ يوجه الضربات القاضية للمؤسسات، وعمل على التفريق بين مؤسسة الجيش الواحد الذي بنته الجمهورية منذ إقامتها في 26 سبتمبر عام 1962، وتركيزه على بناء جيش خاص به هو الحرس الجمهوري والأمن المركزي بعيداً عن المؤسسة الأم للجيش الذي أهمله وأضعفه خاصة بعد استفراد حزبه بالحكم، بل واستقطب رموزاً من الجيش وضمها للحرس الجمهوري، وركز كل صفقات الأسلحة للحرس، منذ حرب عام 1994، على الطريقة القذافية التي قضى فيها الرئيس الليبي معمر القذافي على الجيش الوطني واستبدله بكتائب القذافي.


عمل صالح على إقصاء الشركاء في الحكم والوحدة؛ أحزاباً وجماعات ووجاهات اجتماعية ورموزاً وطنية، والتحريش بين القوى السياسية في الوطن مواصلة لسياسة الأئمة "فرق تسد".


كما بدأ بمشروع التوريث بعد تلك الحرب، وأخذ يقلص الدائرة حوله من المقربين المساندين له في الوصول إلى الرئاسة؛ بالاغتيال أو الإزاحة والإحالة إلى التقاعد، أمثال اللواء أحمد فرج، واللواء محمد إسماعيل، واللواء يحيى المتوكل، واللواء الشيخ مجاهد أبو شوارب، واللواء علي محسن، واللواء محمد عبدالله القاضي، واللواء محسن سريع..وغيرهم، مسلماً مناصبهم إلى الأقربين في الدائرة الضيقة من أسرته أبنائه وأبناء إخوته، وقبلهم القوى الوطنية الأخرى الحزبية؛ كالتجمع اليمني للإصلاح، وشركائه في الوحدة؛ الحزب الاشتراكي اليمني.


فقد سلم مؤسسات وإمكانيات الدولة إلى "أغيلمة" مراهقين يعبثون بكل مقدرات الوطن، وانقلب على مشروع اتفاقية الوحدة وما جاءت به من ديمقراطية مؤسسية وتبادل السلطة سلمياً، حتى كان آخر ضربة يوجهها للديمقراطية هي مشروع "قلع العداد".


كانت التباشير بثورة يمنية على ذلك الوضع قائمة منذ الانتخابات الرئاسية عام 2006، التي صادر فيها صالح كل فرصة للتبادل السلمي للسلطة، وتبنى اللقاء المشترك المعارض خيار "النضال السلمي"، واندلعت ثورة الحراك الجنوبي عام 2007 بعدما تبين أن لا فائدة ترجى من إصلاح نظام صالح أو تجاوبه لإرادة الشعب.

  

حوثنة الجيش
بدأ التيار الإمامي التغلغل في الجيش اليمني خصوصاً ومؤسسات الدولة عموماً منذ وقت مبكر من بعد المصالحة بين الجمهوريين والملكيين عام 1970 بفعل اتفاقية تقاسم السلطة حينها كثمن لهذا الصلح ووقف الاقتتال والاعتراف بالجمهورية.


في الأساس كانت الدولة العميقة للإمامة موجودة في كل مؤسسات الدولة لم يتم استبدالها بكوادر جمهورية خالصة لعدة اعتبارات؛ منها: أن موظفي الدولة كانوا أكثر الفئات تعليماً وهم من التيار الإمامي دون بقية الشعب، وقليل جداً من الذوات والشخصيات اليمنية، ولذلك ظلوا في مؤسسات الدولة متسترين بمبدأ التقية، ولم يتم إيقاف هذا التيار بل طُعِّم من الجمهوريين تدريجياً ولم يصلوا حد الأغلبية؛ لأن التيار الإمامي أيضاً ظل يستقطب كوادر أخرى على أساس مناطقي ومذهبي لاعتبار العاصمة والدولة في المناطق الشمالية المحسوبة جغرافياً على الشيعة ولكن بمظلة الجمهورية ومؤخراً المؤتمر الشعبي العام، فكلما زاد التوظيف كلما زادت نسبة هذا التيار وفي كل الأحوال يشكلون الأغلبية. ما من يمني لا يعرف كيف كان يتم التوظيف ومبدأ الوساطة والمحسوبية والرشوة في التوظيف التي زجت بهذا التيار كثيراً في الدولة مما زاد من الدولة العميقة فيها، وكل هذه الأمور كشفتها عملية الانقلاب الأخيرة وكيف أن الدولة انهارت من داخلها بفعل تغلغل هذا التيار.


ومع عملية الاستقطابات الحادة داخل الجيش اليمني التي قام بها صالح للحرس الجمهوري لعزل بقية وحدات الجيش وإضعافها، وخاصة المنطقة الشمالية الغربية بقيادة اللواء علي محسن، والذي مثل منافساً قوياً لصالح والعقبة الكبيرة لمشروع التوريث، عمل صالح من خلال التلاعب بالمتناقضات بين القوى السياسية والأيديولوجية في المجتمع اليمني، فبادر إلى استقطاب الشخصيات والتيار الإمامي البرجماتي وتيار الحوثي إلى صفوف الحرس الجمهوري والأمن المركزي لمواجهة تيار الإصلاح للتخلص منه بعدما خاض الإصلاح صراعاً شرساً ضد التوريث وضد التسلط العائلي لصالح في مؤسسات الجيش؛ لأنه كان يدرك النتائج المترتبة على هذا الأمر وهو ضرب مؤسسات الدولة وتوريث الجمهورية والقضاء على التعددية وإضعاف العمل السياسي.


التيار الحوثي أو الإمامي كان قد انخرط باكراً في المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) كمظلة سياسية وبات مؤثراً فيه بقوة وموجهاً لسياسة علي صالح في مواجهة بقية القوى الجمهورية، وكان على رأس هذا التيار اللواءان يحيى المتوكل ويحيى الشامي ومن خلفهم تيار أوسط وقواعد مغروسة في كل مفاصل الدولة تعمل بطريقة سلسة وهادئة لغزو المؤسسات بهذا التيار في مقابل إقصاء التيارات الأخرى.

  

آلية التنسيب غير القانونية
كانت آلية التنسيب للجيش اليمني يشوبها الكثير من الخطأ القانوني والإداري وكذلك المناطقي العنصري، بحيث أن التركيز على عملية الاستقطاب للجيش الوطني تركز على مناطق بعينها من المحافظات الشمالية كعمران وذمار وصنعاء وقليل منها في إب وريمة وأقل القليل وبنسبة لا تكاد تذكر في تعز والحديدة قبل الوحدة، ولذلك لم نجد في عهد صالح ولا حتى قائد معسكر من تعز أو الحديدة على سبيل المثال ناهيك عن قيادة المناطق.


وبعد الوحدة عام 1990 لم يتم إدماج الجيش بطرق قانونية، وإنما ظل جيشاً منقسماً حتى نشوب حرب 1994 ليجدها صالح ذريعة بتسريح الجيش من المحافظات الجنوبية والإبقاء على نسبة بسيطة منه ليتم التعلل بمشاركته في مؤسسات الدولة وعلى جهات محسوبة في عملية استقطاب هي الأخرى بحسب الولاء والبراء والقرب من عقيدة صالح العسكرية وآليته في ذلك، مما تسبب بتكوين جمعية المتقاعدين العسكريين ومن ثم بدء الحراك الجنوبي.

  

التقية في الأداء
كان التيار الإمامي يلعب لعبته السياسية بشكل محترف من خلال تسلقه في كل الأحزاب وكيانات الدولة، ولما بدأت الحركة الحوثية في حروبها بصعدة لم يجد هذا التيار غضاضة في سب وشتم الحركة، وأصدر علماؤهم ومرجعياتهم بياناً ضد الحركة الحوثية وتبرؤوا منها، وأفتوا بالوقوف مع الدولة ضدها مع بداية الحرب عام 2004، وقد جاء في خلاصة بيان لهم " فبناءً على ما تقدم رأى علماء الزيدية التالية أسماؤهم؛ التحذير من ضلالات المذكور وأتباعه، وعدم الاغترار بأقواله وأفعاله التي لا تمت إلى أهل البيت وإلى المذهب الزيدي بصلة، وأنه لا يجوز الإصغاء إلى تلك البدع والضلالات، ولا التأييد لها، ولا الرضا بها، ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم))، وهذا براءة للذمة، وتخلص أمام الله من واجب التبليغ"، ووقع على البيان كل من: حمود عباس المؤيد - مفتي سابق للجمهورية، أحمد الشامي - أمين عام الحزب الحق - محمد محمد المنصور، صلاح بن أحمد فليته، حسن محمد زيد، إسماعيل عبد الكريم شرف الدين، محمد علي العجري، حسن أحمد أبو علي، محمد حسن الحمزي، محمد حسن عبد الله الهادي.


ولما قويت شوكة الحركة الحوثية وبلغت منتهاها أيضاً أصدر هؤلاء العلماء بيان تأييد ومناصرة لهم، ومن ذلك بيان عام 2012( )


وكشفت رسالة سرية خطيرة موجهة من بدر الدين الحوثي لجواد الشهرستاني (راعي مؤسسة آل البيت في النظام الإيراني) مؤرخة بعام 2004 – 1425هـ يشرح فيها استعداد وجهوزية الحركة الحوثية للانقلاب على الثورة والجمهورية وبدء المعارك ضد الدولة ومدى نفوذهم وتغلغلهم في نظام علي عبدالله صالح وتأثيرهم عليه. وقد نشرت تفاصيل هذه الرسالة في كتاب "الزهر والحجر"( ).


ثم لما قويت الحركة الحوثية بعد انتهاء الحروب الستة، ومع ثورة الشباب 2011 ظهرت فتاوى جديدة لنفس الأشخاص والتيار بمناصرة الحركة الحوثية على علي صالح في 2011، وعلى الآخرين من القبائل وغيرهم في عام 2012، و2014( ).

  

بناء الحرس الجمهوري (العائلي)
لما كان هناك بقايا وطنية للجيش الوطني بعقيدته الجمهورية والوطنية، وعقيدته الدينية، وبناء أسس التوريث للحكم، انتقل صالح لتوريث الجيش أولاً من الإخوان والأصدقاء إلى الأبناء، فبدأ عملية بناء الحرس الجمهوري بقوة منذ عام 1990، ونقله الانتقالة الثانية بعد حرب 94، ثم النقلة النوعية والكبيرة للحرس منذ عام 2000م، حيث سبق للرئيس المخلوع إزاحة شقيقه علي صالح الأحمر 2000م وتولية نجله أحمد مكانه، وحظي الحرس بدعم أمريكي قوي، وركز المخلوع صالح كل جهده لبناء الحرس وإمداده بأحدث الأسلحة، وفي المقابل أهمل بقية الوحدات العسكرية الأخرى وسحب سلاحها المهم ورفد به الحرس.


سبق لعلي صالح أن قام باغتيال قائدين للجيش هما أحمد فرج ومحمد إسماعيل بتفجير طائرتهما، ليتوجه إلى إضعاف المنطقة الشمالية الغربية بقيادة اللواء علي محسن وإدخالها في حروب مفتعلة مع الحوثيين، في الوقت الذي فتح الحرس الجمهوري للإماميين ومن بعده الحوثيين.


لكن أكبر عملية تجنيد للحوثيين في صفوف الحرس كانت عامي 2011 و2012 منذ أن عزز تحالفه بهم والتنسيق للانقلاب، حيث ذكرت الإحصائيات واللجنة الأمنية يومها أن عملية التجنيد تجري على قدم وساق وأن عدد من تم تجنيدهم من الحوثيين وغيرهم من المؤتمر الشعبي العام في صفوف الحرس ما بين 20 إلى 30 ألف مجند.


أما بشأن تغلغل الحوثيين في الحرس فقد بدأ باكراً منذ العام 2000، وحينما كانت الحروب تدور في صعدة كان الحرس الجمهوري يعمل على إمداد الحوثيين بالسلاح والمؤن والتغذية، وكان يتسلم المواقع التي يتم تحريرها من قبل الجيش الوطني ويعيدها إلى الحوثيين، وهو الأمر الذي اعترف به الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن، مما جعل الحرب تطول وتمتد إلى ستة حروب دون حسم، بل أكسبت الحوثيين قوة ومناعة.


فالمدقق لحجم تغلغل التيار الإمامي في الجيش اليمني يدرك أن ثلاثة أرباع منتسبيه هم من هذا التيار سواء كان بعقيدة إمامية أم مجرد مناصر، الأمر الذي أثبته الانقلاب في 21 سبتمبر 2014 وكيف انهار ذلك الجيش في لحظات، أو لنقل أنه سلم زمام الجمهورية والثورة والشعب إلى من ثار عليهم في 26 سبتمبر 1962، لذلك كان على الرئيس هادي إعادة بناء الجيش من نقطة الصفر.

  

لغم سينفجر
ويرى بعض المراقبين أنه من خلال تصاعد الأحداث والتوترات بين أنصار الرئيس المخلوع والمليشيات الحوثية مؤخراً سينفجر هذا اللغم المزروع وسط الحرس العائلي ولكن إصابته لن تكون مقتصرة على منتسبي الحرس أو صالح وعائلته فقط بل سيتضرر منه الجميع وخاصة في المحافظات الشمالية التي يسيطر عليها الانقلابيون، والتي أصبحت فيه المليشيات الحوثية متداخلة ومتشابكة مع الحرس العائلي مليشيات المخلوع والمؤتمر، وهو الأمر الذي ينذر بكارثة المواجهات "من حارة لا حارة، ومن طاقة لا طاقة" بحسب تعبير الرئيس المخلوع في 2011.