الخميس 02-05-2024 19:12:47 م : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قصة من أقبية الموت.. معتقل حوثي في المسجد!!

الأحد 01 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 01 مساءً / الاصلاح نت-الصحوة نت - أمل أحمد

 

لم يصل الإجرام بأي عصابة عبر تاريخ اليمن إلى درجة انتهاك حرمة المساجد ودور العبادة وتحويلها إلى أقبية للاعتقال والتعذيب، باستثناء مليشيات الحوثي الموالية لإيران والتي تجاوزت كل الحرمات والقيود الدينية والاجتماعية، ولم تسلم من بطشها حتى بيوت الله، قد يكون التصديق صعب لشدة فظاعته ووحشيته، ولكنها وقائع حقيقية وموثقة ولا زال ضحاياها على قيد الحياة، ينتظرون أن يأتي اليوم الذي ينصب فيه ميزان العدالة من جديد. 


الشاب الجريء 

"ع. ج. ت" شاب يمني من أبناء محافظة إب يبلغ من العمر 32 عاماً ويعمل "نجار تمديدات"، اعتقلته ميليشيات الحوثي صباح يوم 15 فبراير 2016، ضمن حملة اعتقالات واسعة النطاق نفذتها الجماعة آنذاك ضد الشباب المعارضين وحتى المحايدين، و ظل معتقلاً لديها حتى 4 يوليو من العام ذاته، أي لمدة ستة أشهر، تحدث "للصحوة نت" عن ظروف اعتقاله والفترة التي قضاها هناك، قائلاً: "كان ما يسمى مشرف المربع يأتي للمقيل في منزلنا يومياً وبصحبته الملزمة وهي عبارة عن مجموعة خطب ألقاها مؤسس حركة الحوثي الصريع حسين بدر الدين الحوثي، ويظل يقرأها لنا طوال النهار، وكنا انا ومجموعة من الشباب نشعر بالانزعاج من هذا التصرف، خصوصاً أنه كان يمنعنا من الحديث مع بعضنا أثناء القراءة، بحجة أنه كلام مقدس، ولما نفذ صبرنا، طلبنا منه عدم قراءة تلك الملازم في منزلنا وأن لا يحاول فرض معتقداته علينا، واشتد بيننا الجدال وسخرنا من تلك الخطب ومن الشخص الذي قام بتأليفها، فما كان منه إلا أن غادر منزلنا وعينيه تقدح بالشرر كما يقال، وحينها عرفت ان ما حدث لن يمر مرور الكرام، ولكني لم أتوقع أن يكون انتقامه بتلك الطريقة الوحشية"! 


المقر 

كان " ع. ج. ت" يتحدث بكلمات مرتعشة ونظرات شاردة رغم أنه بدا وكأنه يحاول إخفاء ذلك كله، وعلى ساقيه ومعصميه كانت آثار التعذيب واضحة ومخيفة، ولم يتوقف عن تحذيرنا، بين الحين والآخر، من ذكر إسمه أو مشرف المربع والمكان الذي اعتقل فيه، خوفاً من التعرف عليه، تابع حديثه قائلًا: "جاءني مسلحين بعدها بأسبوع واحد واخذوني من منزلي بتهمة توزيع منشورات تخص التحالف وتحرض على العصيان، اخذوني بعدها إلى المقر الخاص بحارتنا بجوار المسجد، ثم أدخلت في غرفة مظلمة جدا وظللت فيها بدون طعام ولا شراب ولا ضوء ولا أي شيء، إلى عصر اليوم الثاني، مع العلم أني اعتقلت في التاسعة صباحاً، ثم اصطحبني أحدهم إلى غرفة أخرى فيها مجموعة من الحوثيين يمضغون القات واجلسوني وبدأوا باستجوابي وطرح الأسئلة المعتادة من نوع من يدعمكم؟.. كم عددكم؟ ماهي الطريقة التي تتواصلون ببعضكم؟ وغيرها من الكلام الفارغ، واستمر الحال هكذا إلى بعد العشاء مع العلم أنهم اعطوني يومها بعض الماء فقط لا غير".


أسفل المسجد 

وتابع الشاب حديثه: "عندما انتهى استجوابي جاء ذلك المسلح واخذني إلى مكان تحت المسجد كان في السابق مركزاً لتحفيظ القرآن الكريم، ولكني رأيت هناك ما أدهشني، فقد تحول المركز إلى زنزانة قذرة في داخلها سبعة أشخاص مسجونين تبدوا عليهم آثار الاحتضار، ولا أعرف إلا واحداً منهم فقط، ورماني ذلك الرجل فيها بقسوة، كان هناك فرش ممزق للغاية لسجين سابق لا أعلم هل تم الإفراج عنه أم أنه لقي حتفه، ونظرت إلى السجناء من حولي وعرفت أن جميعهم محجوزين على ذمة قضايا سياسية، وسالتهم ما الذي سيفعله أولئك بي؟ ولم أسمع جوابا، لكني عرفت الإجابة بنفسي بعد أقل من ساعة". 

أضاف: "في الساعة الثامنة تقريباً دخل شخص غليظ الملامح تبدو عليه الوحشية، وبمجرد أن دخل همس لي أحد السجناء قائلاً: هذا ابو حمزة انتبه تكذب عليه، خليك طبيعي وأصبر وأخرج ابو حمزة هذا ورقة ونادى باسمي فرفعت يدي فباشرني بركلة في وجهي فقدت على إثرها الوعي، ولما أيقظني بصب الماء على قال لي انهض فنهضت بصعوبة، ودفعني أمامه بعنف إلى غرفة صغيرة مجاورة يبدو أنها كانت غرفة مدير مركز التحفيظ سابقاً." وهناك تعرضنا لأشكال من التعذيب".

سكت قليلا ودمعت عيناه، كان يهز رأسه بشكل متتالي كأنه يريد حذف مشاهد من تلك البقعة المظلمة، فنظر للبعيد ثم قال: "رجاء اعذرني، فأنا لا أستطيع اخبارك بما جرى لي ولزملائي السجناء طوال فترة اعتقالي التي دامت ستة أشهر، ولكن يكفي أن تعرف أنني طوال تلك الفترة لم اتصل بأهلي ولو لمرة واحدة، وظلت أسرتي تبحث عني في كل مكان وتواصلوا بمشرف المربع الذي تظاهر بأنه لا يعلم شيئاً وليس له أي علاقة باعتقالي، بل على العكس، لعب ذلك المشرف دور المحقق الذي يبحث عني ويريد إطلاق سراحي!! "


النازيين الجدد 

وعن أنواع التعذيب الذي تعرض له مع باقي السجناء، قال للصحوة نت: "كان برنامج الموت يبدأ من الساعة الرابعة إلا ربع فجراً قبل أذان الفجر، يأتي الحارس الذي عرفنا فيما بعد انه إمام المسجد لإيقاظنا بالماء البارد وبعدها يبدأ الضرب حسب الدور إلى الحادية عشرة مساء، لا نتوقف إلا للطعام الرديء الذي ترفض الحيوانات أن تأكله، وكان الضرب يتنوع بين اليد والعصي والأسلاك واحزمة الجنابي والأحذية، وكان أبو حمزة يركز على الضرب في الوجه عند استخدام الحذاء للمبالغة في الاذلال والإهانة، كان بقية الزملاء مبتسمين دائماً ويطلقون النكات رغم انهم يصرخون بشدة عندما يكونون داخل غرفة التعذيب، كان الحال أشبه بمعتقلات النازيين وكنا نشعر اننا في قبو المخابرات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، أحد السجناء واسمه "س. خ"، أطلق سراحه بسرية بعد شهرين من وصولي، وبعد أن دفعت أسرته مبلغ خمسمائة ألف ريال لأحد أعضاء ما يسمى بـ "المكتب السياسي"، أما البقية فقد خرجت وهم لا يزالون معتقلين".


شهود عيان 

وتأكيداً على ما قاله، أفاد أحد شهود العيان "للصحوة نت" بأنهم كانوا في تلك الأيام يسمعون ما يشبه الصرخات الضعيفة أثناء تأدية الصلاة في المسجد، وكانوا يفسرونها بأن أحد أصحاب المنازل المجاورة للمسجد مريض، أو أنه صراخ مجنون في الشارع، أو أنها مجرد أوهام وليس هناك أي شيء اصلاً، وآخر ما كانوا يتوقعونه هو أن تكون تلك صرخات معتقلين من أبناء الحي، يعذبون تحتهم مباشرة.

ويروي الأخ "ع. ج" كيف تم الإفراج عنه بالقول: "بعد ستة أشهر، وبعد أن أتقن مشرف المربع لعب دور الجار الوفي، اتصل بوالدي قائلاً: إن ابنك موجود وأنه سيقوم بزيارتي وإطلاق سراحي ورفض أن يأخذ من أبي اي مبلغ، وفي ذلك اليوم اخذوني إلى الغرفة التي استجوبوني فيها قبل ستة أشهر واجلسوني على الفراش الوثير واعطوني "قات" وطلبوا مني مشاهدة التلفزيون معهم، وعند المغرب أخبروني أنهم سوف يطلقون سراحي ولكن بشرط أن لا اكشف عن مكان اعتقالي أو اسلوب معاملتي لأي إنسان، وإلا فسوف يأخذوني من جديد ولن يفرجوا عني مدى الحياة، وانا وافقت فوراً وكتبت لهم تعهدا بذلك، بعدها اخرجني أحدهم إلى البوابة وقال لي انت أخبر، ووجدت المشرف بانتظاري وأوصلني بسيارته إلى المنزل وهو يلعنهم ويصفهم بالمتوحشين وكأنه لا يد له فيما جرى، مع انه كان السبب الرئيسي لاعتقالي".

كانت هذه إحدى الشهادات الحية من "أسفل المسجد" الذي لم يعد معتقلاً للتعذيب وتحول إلى قبو لتسميم عقول الأطفال وتعبئتهم بالأفكار الخمينية المتطرفة، إلا أن جدرانه لا تزال تئن من أوجاع أولئك الشباب الذين تعرضوا بين جنباتها لأعتى أنواع الانتهاكات الوحشية على يد من يسمون أنفسهم بأصحاب "المسيرة القرآنية".

كلمات دالّة

#اليمن