السبت 20-04-2024 01:51:23 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قراءة في خطاب رئيس الإصلاح بذكرى تأسيس الحزب (2-2)

الإثنين 16 سبتمبر-أيلول 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص - محمد عبدالقادر

   

 

استكمالًا لما بدأناه في الحلقة الماضية، نواصل هنا التوقف عند بقية مضامين خطاب اليدومي وما حواه من مواقف تجاه القضايا الأخرى. فلم يغفل الخطاب قضية إلا وقدم موقفه منها، وعلى رأسها القضية الجنوبية والمعركة مع جماعة الحوثي، كما تضمن ملاحظات نقدية على أداء الحكومة الشرعية، ودعا لمعالجة الإختلالات الحاصلة فيها، لجانب التوقف عند قضية الإرهاب والدعوة لمؤتمر وطني بشأنها.

وفي هذه الحلقة سنتوقف لمناقسة محتوى ما جاء به الخطاب إزاء هذه القضايا.

 

الموقف من القضية الجنوبية

تعد القضية الجنوبية من أكثر القضايا حساسية في الحياة السياسية اليمنية، نتيجة لما تستجره من حمولات مرهقة فيما يتعلق بمسألة الوحدة، والتداعيات السيئة للنظام الذي أدار دولة الوحدة وما راكمه من أخطاء خلفت حساسيات شعبية وخلقت حالة من الاضطراب العام في البلاد ككل وفي الشارع الجنوبي بالتحديد.

إلا أن هذه القضية بكل تعقيداتها، كانت قد حظيت بتضامن شعبي وحزبي كبير في مؤتمر الحوار الوطني، وأجمعت القوى السياسية بما فيهم الإصلاح على حلول جذرية للقضية تنهي معاناة الشعب وتجبر الضرر وتزيل كل ما علق بالوحدة من عوامل إضطراب تهدد جغرافيا البلاد وتعيق أي عملية نهوض حقيقي للدولة اليمنية.

ومع حدوث الإنقلاب الحوثي، وإجتياح عدن، ثم تحريرها منه، نشأت في الجنوب كيانات مسلحة خارج سيطرة الدولة وشكلت مهددا جديدا للبلاد تحت ستار القضية الجنوبية ودعاوى تمثيلها، ونشأت بموازاتها مظلة سياسية تدعي أنها حاملة للقضية الجنوبية، إلا أنها في الحقيقة لا تمثل كامل أبناء الجنوب وتضر بالقضية الجنوبية أكثر مما تفيدها.

أمام دعاوى كهذه حسم الإصلاح موقفه منها باكرا، وظل في كثير من تصريحات مسؤوليه، حتى ما قبل موقف اليدومي الأخير، كان يشدد على رفض نشوء أي كيانات مسلحة لا تخضع لسيطرة وزارة الدفاع والداخلية، وهو موقف مبدئي وثابت يتعلق بالإنحياز للدولة بشكل كامل، وسبق أن ورد على لسان ممثلي التنظيم مواقف كثيرة بهذا الشأن، لعل أبرزهم ما جاء في مقابلة شهيرة لرئيس الدائرة الإعلامية للإصلاح، الأستاذ علي الجرادي، بخصوص هذا موقف الحزب من هذه الكيانات الخارجة عن سلطة الدولة.

ومؤخرا، تجلى موقف الحزب بشكل مباشر وأكثر وضوحًا وحسمًا، حيث اعتبر اليدومي ما قامت به مليشيا الإنتقالي في الجنون تكرار لنفس مأساة صنعاء وإنقلاب الحوثي فيها، حيث جاء في خطاب اليدومي توصيفًا دقيقًا للمسألة تمثل في التالي:

إن التجمع اليمني للإصلاح لا يرى ما يجري اليوم في عدن من تمرد على الدولة من قبل ما يسمى بالمجلس الانتقالي إلا أنه تكرارٌ لنفس السيناريو الذي حدث في صنعاء قبل خمس سنوات، ودفع الشعبُ ضريبته الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين، وخرابٍ كبيرٍ طال كل مناحي الحياة، ولا نريد تكرار المأساةِ نفسِها، بصرف النظر عن إختلاف اللافتات بين الأمس واليوم، إلا أن الحقيقةَ الجوهريةَ واحدةٌ، وهي تقويض الدولة والسطو على إرادة الناس ومحاولة إخضاعهم بالقوة.

 

الإصلاح وبوصلة المعركة المضبوطة

على الرغم من تشعب المعركة وبروز قضايا كثيرة على الساحة، إلا أن الإصلاح ظل مركزًا على جوهر المشكلة والهدف المركزي الذي يتوجب على شركاء العمل الوطني تركيز جهودهم نحوه، وهو المعركة ضد الإنقلاب الحوثي وضرورة تحشيد الطاقات للخلاص منه، بإعتباره جوهر المشكلة وأصل كل البلاء الذي حل بالبلاد.

ولهذا نجد الخطاب ركز بشكل متكرر على ضرورة إعادة ضبط المسار بما يخدم المعركة الأم، منوهًا أن الشتات الذي أصاب المعركة، لا يخدم سوى الإنقلاب الحوثي، ويمنحه عمر أطول، في ظل إنشغال الجبهة الوطنية بمعارك جانبية تسببت في استفراغ الطاقات بما لا يخدم الهدف الأصلي للمعركة التي انطلقت بغرض استعادة الدولة أولا وأخيرا.

 

تكرار الدعوة للإصطفاف

طيلة السنوات الماضية كان الإصلاح وما يزال أول القوى الداعية لتوحيد الصف الجمهوري، وفي كل سياسات الحزب كان داعمًا لكل المبادرات الرامية لتمتين الجبهة الوطنية بإعتبار هذا هو الرد العملي الممكن على المحاولات الإمامية لضرب الجبهة الداخلية للمشروع الوطني؛ كي تتمكن من تبييت نفسها كبديل.

ولهذا ظل الإصلاح مدركًا لخطر تشرذم الصف الوطني كون ذلك هو هدف الإماميين الجدد وسياستهم القديمة والمتجددة والتي لا تعتاش ولا تُعمر إلا على فرقة اليمنيين وشتاتهم.

وتفويتًا لهذا الهدف رأينًا تأكيد الإصلاح على سياسته الرامية دومًا لتسوية الخلافات في الصف الوطني والتركيز على المشتركات كونها السبيل الوحيد لخلق جبهة موحدة تتمكن من التصدي لمشروع الإماميين والإنتصار للمشروع الوطني الكبير. وكان مما قاله خطاب اليدومي في هذا الخصوص:

عملنا وسنظل نعمل في التجمع اليمني للإصلاح على توحيد الجبهة الوطنية وتمتين بنيتها بالقدر الذي يمكنها من تنفيذ مهامها التاريخية المتعلقة بفرض الإستقرار وبناء حالة سلام حقيقي ومستدام وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية تمثل المواطن وتخدمه دون أن تسقط في المحاصصات على أسس مناطقية أو جهوية أو مذهبية.

 

رفض التوظيف السياسي للإرهاب

قبل التطرق لحديث اليدومي عن الإرهاب ودعوته لانعقاد مؤتمر وطني يضع حلولا جذرية لمشكلة الإرهاب، من الجيد الحديث عن مسألة التلاعب بفكرة الإرهاب بشكل عام، والتذكير أن مفهوم الإرهاب ومنذ إطلاق شعار الحرب عليه بعد أحداث 11 سبتمبر لا يزال مفهومًا عائمًا ودون أي محددات تعريفية تسهم في ضبط دلالاته النظرية في الواقع، وتمنع من التلاعب به وفقًا للأجندات السياسية لهذا الطرف أو ذاك، وأما سبب بقاء المفهوم سائلًا فلا يعود لمشكلات نظرية في ذات المفهوم يصعّب تحديده، بل يعود لرغبة عملية تعكس وجود إرادة دولية لإبقاء المفهوم غائمًا ومفتوحًا هكذا وبما يسهل توظيفة من قبل اللاعبين الدوليين الكبار ووكلاءهم في المنطقة بحسب الظرف والمصلحة. وإسقاطًا على الحالة اليمنية، تأتي دعاوى الحرب الإماراتية على الإرهاب في ذات السياق ولذات الغرض السياسي ذات البعد المحلي والدولي معًا.

إدراكًا منه لهذه اللعبة التي يراد تجسيدها مجددا في اليمن، بهدف تجاوز السيادة الوطنية تحت لافتة الحرب على الإرهاب، لجانب توظيف اللافتة لضرب الخصوم السياسيين، خرج اليدومي بدعوة يدعو فيها لعقد مؤتمر وطني يُكرَسُ لمناقشة مسألة الإرهاب، بإعتباره مشكلة وطنية تضطلع الدولة بمسؤولية مواجهته ولا يمكنها التفريط بحقها السيادي في التصدي له، بعيدا عن الإستثمار السياسي الخارجي للمشكلة.

كما أن دعوة اليدومي أشارت للكيفية الناجعة في وضع حل للمشكلة، وذلك بضرورة تبني حل شامل لقضية الإرهاب يتجاوز الظواهرِ إلى الجذور العميقة، ويقدم حلولاً شاملة تتعدى حل المكافحة الأمنية وتتجاوزه إلى وضع الخطط التعليمية والثقافية والإقتصادية والاعلامية اللازمة لمواجهة ظاهرة الإرهاب وتحصين المجتمع منه، وإلى ذلك الحين فإن الإصلاح يطالب الجهاتِ الأمنيةَ التعامل بحزم وجدية مع هذا التهديد وعدم التهاون معه بإعتبار مكافحة الإرهاب من المهام السيادية للدولة وحِكراً عليها.

 

 رؤية الإصلاح الثابتة تجاه مؤسسة الجيش

في الوقت الذي يتعرض فيه الجيش لأكبر طعنة غادرة على مستوى الحملات الإعلامية الممنهجة لشيطنته وكذلك المهددات الوجودية الرامية لضربه باستخدام أدوات كثيرة، داخليا وخارجيًا وبطرق مباشرة وغير مباشرة. كان الإصلاح وما يزال أكبر القوى الوطنية دفاعًا عن أهم مؤسسة ناشئة في البلد، والأمر له علاقة بالمواقف الموحدة للحزب تجاه كل مظاهر الدولة ومؤسساتها الضامنة للبلد، وليس كما يحاول البعض تزييف الحقيقة بالقول أن دفاع الإصلاح عن الجيش هو دفاع عن نفسه، فالجيش ليس ملكًا للإصلاح، بل مؤسسة سيادية مملوكة للشعب وحضور الإصلاح فيها كأي حضور لمختلف القوى الأخرى، بصرف النظر عن نسبة التواجد فهذا أمر لا قيمة له، ما دام الجميع خاضع لقواعد التجنيد الرسمية والأفراد خاضعين للوائح القانونية التابعة لوزارة الدفاع والداخلية، ويتحركون بأوامرها وليس بأموار هذا الطرف أو ذاك.

وقد أكد رئيس الحزب في خطابه الأخير على دعم الحزب لبناء الجيش على أسس وطنية ثابتة وموحدة تجاه الجميع، وكان مما قاله في هذا الإتجاه :

يؤكد التجمع اليمني للإصلاح على ضرورة بناء الجيش والأمن على أسس وطنية تتجاوز المشكلات السابقة والمآلات الناتجة عنها، ووفق قوانين الخدمة في المؤسستين العسكرية والأمنية ومخرجات الحوار الوطني وبما يضمن قيام هاتين المؤسستين بواجبهما الدستوري والقانوني في حماية المؤسسات والمكتسبات والدفاع عن حياض الوطن، ومنع قيام أي أجهزة أو تشكيلات عسكرية وأمنية موازية وإستعادة ثقة المواطنين بالمؤسستين العسكرية والأمنية.

الخلاصة: من خلال استخلاص طبيعة مواقف الإصلاح تجاه مجمل قضايا البلاد الرئيسية والظرفية، يمكننا القول أننا أمام حزب يتمتع بوضوح جيد في الرؤية، لجانب مواقف متجانسة مع سياسة التنظيم الواقعية والمنحازة لكل ما يعزز سيادة الدولة ويشد من حضورها وقوتها، ويضاعف فاعليتها على الأرض. إذ بدأ التنظيم في كل مواقفه التي أكدت عليها كلمة رئيس الحزب، متناغمًا مع مشروع الدولة ومتصالحًا معه، مع رؤية نقدية تدفع بإتجاه تبني سياسات أكثر فاعلية وتقف على الضد من كل المشاريع الطاعنة لمشروع الدولة والمتخندقة في خيارات شخصية وطائفية وجهوية ضيقة تهدف لتحقيق مكاسبها الخاصة على حساب مكسب اليمن الكبير وحلم الناس بدولة قوية ومستقرة، تستند للدستور ويحميها القانون وتحقق مصالح الناس بغد يليق بتضحياتهم وحلمهم الطويل.