الخميس 25-04-2024 19:49:28 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأداء السياسي للإصلاح.. ومعضلة أن تكون ديمقراطيًا في بيئة غير ديمقراطية

السبت 14 سبتمبر-أيلول 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

 

ارتبطت لحظة تأسيس التجمع اليمني للإصلاح مع ما يمكن وصفه بلحظة ميلاد الديمقراطية في اليمن، والتي جاءت ملازمة لإعادة تحقيق الوحدة الوطنية بين شطري البلدين، وهذه المصادفة (تأسيس حزب بالتزامن مع ميلاد عهد ديمقراطي في البلاد)، كان لها أثرها في الأداء السياسي للإصلاح منذ تلك اللحظة، ليكتشف الحزب منذ البداية حجم متاعب العمل السياسي عندما يكون ذلك من قبل حزب يمارس السياسة بأساليب ديمقراطية في بيئة غير ديمقراطية.

يرى علماء السياسة والاجتماع أن الديمقراطية ليست مجرد قوانين، وإنما هي قبل ذلك ثقافة سياسية، ويفسرها بعضهم تفسيرا مختصرا بأنها "القبول بالآخر"، سواء كحاكم منتخب أو معارض سياسي، وما يرتبط بذلك من حقوق ومسؤوليات، ومن هذا المنطلق يمكن تقييم الحالة الديمقراطية في اليمن، ومعضلة ظهور حزب سياسي ديمقراطي في بيئة غير ديمقراطية، فلا ثقافة سياسية تؤمن بالديمقراطية، ولا قوانين فاعلة وحاسمة تحمي الديمقراطية وترسخها.

- ديمقراطية وشمولية

لا يختلف الحال في اليمن كثيرا عن البلدان العربية ذات الأنظمة الجمهورية التي تدعي الديمقراطية، فهذه الأنظمة اتخذت من الديمقراطية كوسيلة تخديرية للشعوب تهدف إلى التغطية على عيوبها ومنح الحاكم الأوحد شرعية شعبية مزيفة، فهي ديمقراطية الحزب الواحد، والحاكم الأوحد، الذي يتم إجراء انتخابات للتصويت له وحده فقط وبدون مرشحين منافسين، وعادة ما يحصد نسبة 99.9%، وكان نظاما الحكم في شطري اليمن لا يختلفان عن غيرهما من الأنظمة العربية الشمولية والاستبدادية التي لا تؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية.

وفي هذا المناخ الشمولي الاستبدادي الذي اتسمت به الجمهوريات العربية، واليمن بشطريه ضمنها، كانت ولادة الديمقراطية بالتزامن مع إعادة تحقيق الوحدة الوطنية، ثم الإعلان عن تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح، كما تأسست بعد ذلك عدة أحزاب، إلا أن معظمها أحزاب هامشية وليس لها أي حضور شعبي، وبعضها انتهت بعد الإعلان عنها بمدة قصيرة جدا.

ومنذ اللحظة الأولى لتأسيسه، وجد حزب الإصلاح نفسه أمام نظامين شموليين (شريكين في نظام دولة الوحدة) لا يؤمنان بشيء من الديمقراطية إلا ما كان لصالحهما، وبنفس الوقت يحملانه مسؤولية خلافاتهما وفشلهما في إدارة الدولة، واستمر ذات الأمر بعد حرب صيف 1994، ثم بعد انتخابات 1997 البرلمانية، والتي خرج الإصلاح بعدها تماما من المشاركة في السلطة، واستمر ذلك أيضا حتى الانقلاب على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014.

وكان النظام الحاكم (نظام علي صالح)، ومعه أحزاب أخرى، لم يتقبلوا أن يشارك حزب الإصلاح في السلطة، ولا يستطيعون تحمله كحزب معارض معارضة جادة، وحاليا هناك من لا يستطع تحمله كحزب مساند للدولة في لحظة ضعف وانقلاب عليها، ولا يستطيع تقبل حتى تضحياته للحفاظ على الدولة والوحدة الوطنية والمكتسبات الأخرى، وكل ذلك يمثل نتيجة طبيعية لانعدام الثقافة السياسية الديمقراطية وسيادة ثقافة إقصاء الآخر وشيطنته بمختلف وسائل الدعاية السوداء، أي أن خصوم الإصلاح لا يريدونه حاكما، ولا مشاركا في السلطة، ولا يريدونه معارضا، وينددون بصمته إذا صمت، وينددون بحديثه إذا تحدث، وهذه أسوأ صور التخلف السياسي.

- الممارسة الديمقراطية

يعد التجمع اليمني للإصلاح الحزب اليمني الوحيد الذي جسد الديمقراطية قولا وعملا، فهو شارك في السلطة بعد أن حقق نتائج كبيرة في أول انتخابات برلمانية، عام 1993، من خلال حكومات ائتلافية، ثم غادر السلطة بعد انتخابات 1997، جراء تناقص عدد مقاعده البرلمانية، رغم أن ذلك حدث بسبب التزوير الواسع النطاق من قبل حزب المؤتمر الحاكم. لكن حزب الإصلاح قبِل بالنتيجة رغم التزوير، وانتقل إلى المعارضة، وبدأ النضال السياسي السلمي، ليرسخ فكرة الديمقراطية من جانب، ويضع حدا لفساد الحزب الحاكم وعبثه بالديمقراطية والنظام الجمهوري من جانب آخر.

وعلى الجانب الآخر، كان الحزبان الحاكمان لشطري البلاد قبل الوحدة قد تسببا بحروب أهلية بسبب عدم قبولهما بالديمقراطية، فبعض قادة الحزب الاشتراكي أعلنوا الانفصال بعد أن بدا لهم أن الديمقراطية لن تكون في صالحهم، لعدم حصولهم على النتيجة التي كانوا يتوقعونها في انتخابات 1993 البرلمانية، فعمدوا إلى إعلان الانفصال والتسبب بحرب أهلية كنتيجة للسلوك الشمولي الذي لا يتقبل الديمقراطية إذا لم تكن في صالحه.

وكذلك الأمر بالنسبة لعلي عبد الله صالح، الذي ظل يعمل لإفراغ الديمقراطية من مضمونها، وعندما حانت ساعة الحسم، والتف الشعب حول الديمقراطية ضد مشروع التوريث، تحالف علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر مع مليشيات الحوثيين وانقلبوا على السلطة الشرعية لإجهاض المشروع الديمقراطي ونظام الأقاليم الفيدرالية، وكان السبب الرئيسي لانقلابهم عدم تقبلهم لفكرة الديمقراطية إذا لم تكن في صالحهم، وتسبب ذلك الانقلاب في حدوث أسوأ حرب أهلية، وشروخ اجتماعية كبيرة، وما زالت البلاد في متاهة كبيرة ولا حلول تلوح في الأفق.

والمتأمل اليوم في مواقف وتوجهات معظم التيارات السياسية والحزبية من حزب الإصلاح، ومواقفها من مشاريع تمزيق وتفتيت البلاد، وأيضا مواقفها من فكرة الدولة ذاتها ومن الوحدة الوطنية، سيجد أن القاسم المشترك بينها أنها بدائية وتعيش زمن ما قبل الدولة، ومواقفها تحركها ثقافة شمولية إقصائية بدائية، وعدم القبول بالآخر، وكل ذلك يمثل نتيجة طبيعية لانعدام الثقافة السياسية الديمقراطية، وبالتالي غياب السلوك الديمقراطي، ومثل هذا يعد وضعا طبيعيا عندما تريد ممارسة الديمقراطية في بيئة غير ديمقراطية.

كلمات دالّة

#اليمن