الجمعة 03-05-2024 10:59:33 ص : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

لماذا يُصعّد الحوثيون عملياتهم العسكرية باتجاه جنوب البلاد؟

الأربعاء 24 إبريل-نيسان 2019 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت- خاص- عبد السلام قائد

  

أقدمت جماعة الحوثيين على التصعيد العسكري في جبهات محافظتي إب والضالع باتجاه المحافظات الجنوبية، وتمكنت من السيطرة على العديد من المواقع، وارتكبت جرائم وحشية ضد المدنيين الأبرياء هناك، وما زالت تستميت من أجل تحقيق المزيد من التقدم، بينما يشكو قادة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في تلك الجبهات من نقص في الذخيرة والسلاح وخذلان الجهات المعنية.

هذا التصعيد العسكري لجماعة الحوثيين رافقه تصعيد إعلامي، حيث ظهر زعيمها عبد الملك الحوثي في حوار تلفزيوني، لأول مرة، مع القناة الناطقة باسم جماعته، هدد من خلاله السعودية ودولة الإمارات باستهدافهما عسكريا، وأن جماعته قادرة على قصف الرياض وأبو ظبي ودبي، وغيرها من التهديدات.

وتزامن الحوار التلفزيوني لزعيم الحوثيين مع خطاب تصعيدي لزعيم ما يسمى "حزب الله" في لبنان، حسن نصر الله، وكلا الرجلين يعدان أبرز حلفاء إيران في المنطقة لتزعمهما مليشيات إرهابية تهدد الأمن الإقليمي، وتزامن تصعيدهما الإعلامي مع التصعيد الأمريكي ضد إيران، المتمثل في إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، وفرض حصار على صادرات النفط الإيرانية. فما الذي يعنيه كل ذلك؟

- تصعيد حوثي أم إيراني؟

يمكن وصف التصعيد العسكري للحوثيين في وسط البلاد، باتجاه المحافظات الجنوبية، بأنه تصعيد إيراني قبل أن يكون تصعيدا حوثيا، ذلك أنه كلما شعرت إيران بأن أزمتها مع المجتمع الدولي وصلت إلى طريق مسدود، تلجأ إلى دفع حلفائها في المنطقة من المليشيات الطائفية المسلحة إلى التصعيد العسكري والإعلامي ضد خصومها، أملا في أن ينجح ذلك التصعيد في تخفيف الضغوط عليها، وبالتالي العودة إلى مربع الحوار، خاصة في ظل انعدام الخيارات التي تمكن ملالي طهران من المناورات السياسية واستهلاك الوقت.

غير أنه لا يمكن إغفال المصالح المشتركة لإيران وحلفائها إزاء أي تصعيد من قبل أي طرف منهم، فإذا كانت إيران وبقية حلفائها مستفيدين من التصعيد العسكري للحوثيين في وسط البلاد ومحاولة التقدم نحو جنوبها، فإن الحوثيين أنفسهم مستفيدون من تصعيدهم العسكري والإعلامي، لا سيما وأن الظروف الداخلية تقتضي منهم مثل هكذا تصعيد.

فمن جانب، يسعى الحوثيون إلى تحقيق انتصارات سريعة في جبهات ضعيفة، مثل جبهة حجور في حجة وجبهات محدودة في أطراف محافظتي إب والضالع، من أجل رفع الروح المعنوية لمقاتليهم، ليتزامن ذلك مع ظهور إعلامي مباشر لزعيمهم عبد الملك الحوثي، يطلق من خلاله التهديدات ضد الجميع، كون الانتصارات السريعة في جبهات ضعيفة، والتهديدات الكلامية من قبل زعيمهم، كفيلة برفع معنويات مقاتليهم وحشد المزيد من المقاتلين في صفوفهم، استعدادا لمعركة تحرير الحديدة المحتملة، بعد فشل اتفاق ستوكهولم.

ومن جانب آخر، يعتقد الحوثيون أن التصعيد العسكري في وسط البلاد باتجاه الجنوب، ربما يجعل السلطة الشرعية والمقاومة الشعبية والتحالف العربي يهملون معركة تحرير الحديدة، ويضطرون للانسحاب من أطراف المدينة ويعودون إلى عدن للدفاع عنها ضد تقدم الحوثيين نحوها باستماتة، أي أن الحوثيين يريدون الانتقال من الدفاع إلى الهجوم ليتمكنوا -على الأقل- من الحفاظ على المحافظات التي يسيطرون عليها.

ولا يمكن إغفال ذلك عن التطورات المتعلقة بالتصعيد الأمريكي ضد إيران، المتمثل في إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، وفرض حصار على صادرات النفط الإيرانية، والتصعيد الإيراني المضاد، المتمثل في تهديدها بإغلاق مضيق هرمز في حال تنفيذ الحصار على صادراتها النفطية، ودفع الحوثيين إلى التصعيد العسكري باتجاه مدينة عدن لإرسال رسالة مفادها بأن مليشياتها في اليمن ستتقدم باتجاه مضيق باب المندب وإغلاقه، وبالتالي خنق صادرات النفط الخليجية من خلال إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، والتأثير على تجارة النفط العالمية بشكل عام.

- التصعيد إلى أين؟

مبدئيا، لا يمكن لإيران أن تغامر بمواجهة عسكرية مع الدول الغربية، خاصة أمريكا، كونها ستكون فوق طاقتها وغير محمودة العواقب، وبدلا من ذلك، فإنها ستتجه للتصعيد من خلال المليشيات المسلحة التابعة لها في أكثر من بلد عربي، خاصة مليشيات الحوثيين في اليمن، التي تمتلك صواريخ بالستية وطائرات مسيرة وزوارق بحرية، هربتها لها إيران، وتستطيع من خلالها استهداف المدن الحيوية في السعودية ودولة الإمارات، كما تستطيع من خلالها تهديد طريق التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب، بل وبإمكانها إغلاق المضيق في حال تكرر استهدافها لناقلات النفط المارة عبره.

وبما أن الحوثيين ينفذون الأوامر الإيرانية بحذافيرها، إلا أنهم يفعلون ذلك بحسب قدرتهم، ولذا يمكن القول بأن تصعيدهم العسكري في جبهات محافظتي إب والضالع باتجاه الجنوب يكشف عن ضعفهم، ذلك أنهم لو كانوا أقوياء وبقدرتهم إحداث مفاجآت عسكرية كبيرة، فإنهم كانوا سيتعمدون التصعيد في جبهات قوية، مثل المخأ أو تعز أو مأرب، لكنهم اختاروا التصعيد في جبهات ضعيفة في إب والضالع، ليتمكنوا من تحقيق نصر عسكري سريع، يرفعون من خلاله معنويات مقاتليهم من جانب، ويخففون من حدة الضغوط على حليفتهم إيران من جانب آخر.

وفي الحقيقة، فإنه لولا الخذلان الذي تعرضت له قبائل حجور في محافظة حجة، لما تجرأ الحوثيون على التصعيد العسكري في جبهات أخرى، لكن النصر الذي حققوه في حجور، الجبهة المحاصرة من جميع الجهات، والتي قوبلت بخذلان الجميع، أغراهم بالتصعيد في جبهات أخرى ضعيفة جدا، وهي جبهات في أطراف محافظتي إب والضالع، ونقاط الضعف فيها أنها محاصرة بمليشيات الحوثيين من الأمام، ومليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) من الخلف، وعتادها العسكري محدود، وهو ما أغرى مليشيات الحوثيين بالتصعيد وتحقيق انتصارات سريعة هناك، بصرف النظر عن محدودية المساحة التي سيطرت عليها، فالأهم هو رفع معنويات مقاتلي الجماعة، واستقطاب مقاتلين جدد، عملا بسياسة أن كل انتصار صغير يؤدي إلى نصر أكبر منه.

وهكذا يتضح أن ما تسلكه مليشيات الحوثيين من تصعيد عسكري في جبهة تلو أخرى، في ظل تقاعس السلطة الشرعية والتحالف العربي عن الحسم العسكري والقضاء على الانقلاب، سواء بذريعة إفساح المجال للحل السلمي للأزمة أو بذريعة وجود ضغوط دولية تحول دون الحسم العسكري، بالإضافة إلى تدليل المجتمع الدولي للحوثيين، كل ذلك أغرى الحوثيين بعرقلة جهود حل الأزمة سلميا، والتنصل عن الاتفاقيات التي يوقعون عليها، والتصعيد العسكري في جبهة تلو أخرى، وانتهاج سياسة استهلاك الوقت، أملا في حدوث متغيرات محلية وإقليمية وربما دولية، من شأنها ترسيخ الانقلاب والتسليم له، ما لم يتم الحسم العسكري ضد الانقلاب في أسرع وقت.

كلمات دالّة

#اليمن