الجمعة 03-05-2024 14:30:47 م : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المهلكات الحضارية الكبرى!

الأحد 28 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ عبدالعزيز العسالي

 


غياب الاحتفاء بالحرية (الحلقة الأولى)
تنويه:
اولا: حديثنا عن الحرية التي جاء بها القرآن, وطبقها رسول الاسلام (ص)، ومن هنا نقول: نعم للحرية لا للفوضى!

ثانيا: للقارئ العزيز أقول: الموضوع طويل ومتداخل, وعليه:
سيتم توزيع الموضوع تحت مجالات او مستويات; كي تتآلف المعاني في ذهن القارئ, وتجنبا للإطالة الى اقصى حد ممكن.

 

مبدأٌ وشعار:
سنناضل لأجل الحرية حتى تصبح الحرية عبادة لله ــ عقيدة وأخلاقا!
وحتى تتضح الفكرة اكثر: فقد آثرنا ان نقدم عنوان الحلقة في صورة سؤال مفاده: هل الحرية مبدأ واجب الالتزام? ولماذا الاحتفاء بالحرية?
غير اننا اغفلنا الحديث حول السؤال الاول; كون الاجابة عليه ستتضح جليا من خلال الاجابة على السؤال الثاني.

مفتتح:
الحرية فطرة الله، وهي غريزة مركوزة اودعها الله في عقل الانسان وووجدانه وشعوره, لحكمة ارادها الله تتعلق بأمرين؛
الاول: تكر يم الانسان, والانسان بدون الحرية لافرق بينه والحيوان!
الثاني: خلافة الانسان في الارض واستعمارها {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }ــ اي طلب منكم عمارتها. هذا الاستخلاف الإلهي للإنسان والغاية منه عمارة الارض, اقتضت حكمة الله ان يكون الانسان عاقلا مختارا..!
 (انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا)
هذا النص حدد بوضوح حرية الاختيار في التدين..غير ان حرية الانسان في عمارة الارض والعلاقة بين البشر رسم الله لها سُنَناً يجب التزامها والتقيد بها حتى لا تتحول الحياة فوضى وصولا الى سنة السقوط او الهلاك الحضاري!
 وقد تحدث القرآن كثيرا عن سقوط الحضارات وهلاك الاقوام وانحلال الامم جراء مخالفة سنن الله في النفس والاجتماع والتي لا تحابي احدا..
{ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به}.. النساء129.
وعليه: نعود الى السؤال: لماذا الاحتفاء بالحرية?
الجواب اجمالا: الحرية سنة من سنن الاجتماع والعمران البشري وهي معراج النهوض الحضاري في كل الامم!
 اما الجواب تفصيلا فسيتم توزيعه في المجالات التالية:

  

 المجال العقدي:

نحتفي بالحرية؛ لأن الله فطر الانسان عليها و كرمه بحرية الاختيار, وبفضل هذا التكريم وحرية الاختيار سخر السماوات والارض لخدمة الانسان!
نحتفي بالحرية:
- لأن الله عظمت حكمته انزل الحرية تشريعا ابديا خالدا نتعبد الله بالتزامها!
-لأن الله جعلها سنة من سنن الاجتماع في التدافع في كل مجالات الحياة ايجابا وسلبا!
-لأن الله شرع مبدأ الشورى المتمثلة في الشرعية السياسية, والتي هي ابرز مظهر واقوى صورة من صور الحرية!
ــ شرع الشورى في وقت مبكر في العهد المكي قبل ان يشرِّع تفاصيل فرائض الاسلام ــ صلاةً وصياماً وزكاةً وحجاً, بل وقبل تشريع المعاملات والزواج والارث الخ!
ــ لأن الله شرعها في المدينة حيث امر نبيه (ص), وهو المعصوم بالوحي ان يشاور المؤمنين فيما يتعلق بقضاياهم العقدية والحربية!
والرسول (ص) شاور اهل المدينة اجمعين مسلما وغير مسلم يهودي ومشرك ومسلم مهاجر ي ومسلم انصاري, شاورهم فيما يتعلق بمصالح العشائر والبطون وما يتعلق بالدفاع المشترك عن المدينة!
نحتفي بالحرية:
ــ لأن الله اعطى حق الولاية على الأمة بيد الامة; كونها اعلم بمصالحها!
ــ لأن الله شرع لنا سنن الاجتماع وفي طليعتها الحرية, وجعل السنن دينا نتعبد به, ورتب عقوبات عاجلة على مخالفتها!
ــ لأن الله قص علينا سنة هلاك الاقوا السابقين الذين خالفوا سنن الاجتماع, وذيلها بقول صريح لا لبس فيه ولا غموض قائلا: (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى)! (فاعتبروا يا أولي الابصار)..(ليس بأمانيكم ولا اماني اهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به).


نحتفي بالحرية:
ــ لأن الله حارب الفرد المستبد الطاغي المفسد وحذرنا ان يستخفنا, واننا اذا خضعنا لاستخفاف الطاغي المفسد نستحق الوصف بالفسق ونستحق غضب الله وهلاكه, (فاستخف قومه فأطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين.. فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم اجمعين).
ــ لان المسلم سيستعيد الثقة بدينه الذي قدم اجابات حول مستجدات العصر منطلقا بالأمة نحو الحرية و لرفاه والعيش الكريم!


    
 المجال التشريعي:
 نحتفي بالحرية؛ لأن الله شرع نصوصا وضح فيها مكانة حرية الانسان قائلا: (.... فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا).
اذن التنازع هو انعكاس لحرية الانسان التامة ومنها حرية الاعتراض, وهنا نص على ادارة التنازع وتنظيمه فلم يترك الامر فوضى!
نعم حتفي بالحرية; لأن الله علمنا بنص مكتوب وخالد الى ان يرث الله الارض ومن عليها قائلا: (واذا جاءهم امرٌ من الأمن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الله والرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم..) فأولوا الامر هم اولو الاختصاص كل في مجاله!


 نحتفي بالحرية:
ــ لأن الله علمنا العلاقة بين الشعب والوكيل التنفيذي ـ الحاكم ــ تنظيمها كتابيا امر واجب! والقرآن المنظم لعلاقتنا مع الله والحياة الدنيوية والأخروية مكتوب بين دفتي المصحف, والرسول (ص) كتب دستور المدينة وكفانا بهما اسوة!
نحتفي بالحرية; لأننا نقتفي الفاروق مجسدين اعلانه لمبدأ الحرية والمساواة في مبدا واضح كالشمس في رابعة النهار: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا"?!

نحتفي بالحرية; لأن تشريع الله او كل فَهمَ مصالح الدنيا الى الأمة; لأن مصالح الدنيا مدركة بالعقول وبالتجارب التي ثبت نجاحها وفلاحها, وان الامة هي اعلم بما يقيم مصالحها ويضمن حقوقها, بلا وصاية عليها, هكذا اراده الله تشريعا ابديا مقدسا و لا تبديل لكلمات الله!

نحتفي بالحرية; لأن الله نهى عن اتخاذ الاحبار والرهبان اربابا تشرع من دون الله ; كون شريعة القرآن متجددة تواكب المستجدات, وبالتالي سنظل ساعين بجدٍ لا يشوبه فتور نحو تحقيق مصالح امتنا, ولن ترهبنا العقليات الماضوية المشدودة الى قيود الاقوال الصدئة تحت اي مسمى كان؛ اجماعا مدعى او كان فهما ظهر في سياق خاص, سيكون كل مافي الامر اننا مطالَبون ان نحترم سلفنا ولا نتنكر للتراث فهو شخصية الامة, لكن الاحترام لا يعني التقديس بحال, كما لا يعني اجترار اقوال بتقليد اعمى تحت كرباج الارهاب الفكري تحت مسمى الاصالة او او ; لأن اجترار هكذا اقوال قطعا ستكون معوقا للحاضر, او ليس لكل عصر همومه وتطلعاته؟!
 نحتفي بالحرية; ازاء اهم معالمها والذي يمثل ام الاخلاق السياسية المتمثل في الشورى او الشرعية السياسية, وذلك بإعادة تسكين الشورى في مكانها الصحيح المتمثل في مقاصد الشريعة, وننتزعها من جوار المضمضة والاستنشاق! فهذا التسكين الموروث الذي خضع لمؤثرات الواقع مما ادى الى قتل هذا المبدأ السنني في العمران والاجتماع السياسي, وهذا التسكين التحريفي ادى الى غياب الاحتفاء بالحرية في الوسط الثقافي المسلم عبر التاريخ!

الجانب السياسي:

نحتفي بالحرية:
ــ لأننا سننفذ تعاليم القرآن حول مرجعية الشرعية السياسية انها ملك الأمة; ذلك ان القرآن نقض الهرمية الفرعونية فالأمة هي مصدر السلطات لا الفردية ولا غيرها ولا ولا..
ــ لأننا سنحمي الامة من الطائفية والعنصرية والسلالية والطبقية والجهوية وسنحمي النسيج المجتمعي من التمزق الفرعوني الذي وصل الينا ودمر الانسانية تحت شعار: (احكمك او اقتلك)!

لوكنا نحترم الحرية ونحتفي بها لجنبنا الشعب والامة 483 حربا قبلية ــ حسب دراسة موثقة ــ للحروب التي اشعلها المفسد في اليمن طيلة 33 عاما ناهيك من حرب الثورة المضادة لثورة الانعتاق من الفردية المتسلطة النهابة لثروات الشعب اليمني اجيالا قادمة!
 ــ الا نحتفي بالحرية وهي التي لو كانت مجسدة في واقعنا اليمني هل كنا سنرى جيش الدولة وامنها المركزي وامنها العام والسياسي والامن القومي يتحول مليشيا؟
 ــ ألا نحتفي بالحرية وهي الطريق الى دولة المؤسسات؟ فننطلق في حياتنا آمنين اشبه بركاب القطار.. لو مات السائق لا خوف; لأن عربات القطار ماشية على القضبان! فاين هذا من قائد الطائرة التي تكون حياة الركاب فيها متعلقة بحياة قائد الطيارة وجودا وعدما!
ــ الا نحتفي بالحرية ونحن سنقول للحاكم الفاسد وكل زبانيته وجلاوزته بعد اربع سنوات او خمس تفضل اقعد.. دون اراقة قطرة دم او ضياع جهود او اموال الأمة؟

  الجانب الوسائلي:
نحتفي بالحرية المقدسة:
ــ لأننا سنلتقي بالديمقراطية والتي هي صورة من صور مبدأ الحرية المقدس في ديننا الخالد!
ــ لأن الديمقراطية هنا ستكون اليّةً تخدم مبدأ الحرية; كون وسيلة الديمقراطية ثبت نجاحها في تنظيم ا لجانب الاجرائي في صيانة وضمان حقوق الامة!
 ــ لأن وسيلة الديمقراطية ضمنت الحريات والمساواة والحقوق في ظل نطمٍ ملكية وجمهورية على السواء دون اي اصطدام بالنظم والثقافات والهوية الحضارية!
نحتفي بالحرية; لأننا سنضع الضمانات الكفيلة في حماية الحقوق والحريات المدنية والاقتصادية والسياسية, من خلال اقامة دولة المؤسسات واستقلالية القضاء وتكافؤ الفرص, والمواطنة المتساوية! ليس هذا فضلا من احد ولا تسولا ولا تقليدا للغرب ولا ولا, و انما هو تجسيد واقعي لمبدا قرآني سماوي مقدس مبدا اسمه كرامة الانسان, وقد طبقه الرسول (ص).


باختصار:
نحتفي بالحرية السياسية أولا:
ــ لأنها الارضية الاولى التي تبنى عليها كل الحقوق, بل ان شئت قل الحرية هي الذراع الحامل لبقية الحقوق!
ــ لأن الحرية ستمنحنا حق القول بصوت رفيع لآ آ آ آ آ. كما قال الفاروق رضي الله عنه: "يعجبني الشخص اذا سيم حظه قال بملء فيه لآ آ آ آ آ آ".
ــ لأن الحرية ستجعلنا نطبق مبد أ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمتمثل في لغة العصر الرقابة الشعبية!
ــ ألا نحتفي بالحرية وقد جعل الله الحق للمظلوم بواسطتها ان يجهر بالسوء, بل انه سبحانه جعل الجهر بالسوء هنا محبوبا لديه سبحانه!
( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الامن ظلم..)!
ــ الا نحتفي بالحرية وهي التي مكنت الامم والشعوب من الريادة في كل مجالات النهوض الحضاري!
نحتفي بالحرية التي ستجعل من وسيلة الديمقراطية محكاً عملياً لحقيقة تدين المجتمع في صدق خضوعه وانقياده لتعاليم الاسلام, ولو لم يكن آية فائدة لوسيلة الديمقراطية الا هذه الفائدة لكانت كافية!
  نحتفي بالحرية:
ــ لأننا سنحتكم الى معتقدنا وهويتنا دون وصاية او تبعية او خوف من احد!
ــ لأن التدين في ظل الحرية هو تدين حقيقي بعيدا عن النفاق والتملق وتصنع التدين الكاذب!

 


باختصار:
نحتفي بالحرية; لأنها الضمان الاقوى في اقامة العدل!
نحتفي بالحرية ; لأننا سنجسد اعلا مقاصد الشريعة المتمثل في تجذير هيبة الامة في نظر خصومها والذي سينعكس أيجابا في حماية مقدساتنا كلها انسانا دينا وارضا!
 ولهذا قلنا ان اول المهلكات الحضارية الكبرى هي: (غياب الاحتفاء بالحرية)!