الجمعة 19-04-2024 00:02:26 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

القرارات الدولية وتدليل المليشيا الحوثية !

الأربعاء 11 يوليو-تموز 2018 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت / خاص

يبذل المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفث مساعِ حثيثة في محاولة جمع الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات والبحث في صيغة توافقية للخروج من الأزمة الراهنة.
وفيما عدا الحوثيين، فإن الأطراف المعنية تبارك جهوده تلك، إلاَ أن الحوثيين يستثمرون تلك الجهود لكسب المزيد من الوقت لإعادة ترتيب صفوفهم وحشد المزيد من المقاتلين الى جبهة الساحل الغربي ومختلف الجبهات اليمنية المشتعلة.
تعنت الحوثيين وتصلَب مواقفهم يُعدَ العقبة الكؤود في إعاقة مساعي المبعوث الأممي الذي لا يمارس في المقابل ضغوطاً عليهم لزحزحتهم ولو قليلا عن مواقفهم المتصلبة تلك، ويعمد عوضا عن ذلك إلى ممارسة الضغوط على الحكومة الشرعية لانتزاع تنازلات لا يقوى على انتزاعها من الحوثيين أو ربما ليست ضمن أجندته، ويعود أحد أسباب ذلك- بحسب مراقبين- الى أن ملف الحوثيين يُعد أحد مفردات ملف إيران النووي ضمن تفاهماتها غير المعلنة مع الفاعلين الدوليين، ما يتيح للحوثيين فرصة المناورة واللعب على هامش تلك التفاهمات والهروب من أي التزامات.
أحد مظاهر الأزمة اليمنية يكمن في أن القرارات الدولية بشأن اليمن، وأهمها القرار(2216)، تبقى عديمة التأثير على المجال السياسي لتلك الأزمة، بما في ذلك طريقة التعاطي معها من قبل المبعوثين الدوليين والمنظومة الدولية نفسها التي صدرت عنها تلك القرارات، وفي المحصلة، فإن عدم جدية المنظومة الدولية في تنفيذ قراراتها قد أدى الى استدامة أزمة اليمنيين وإطالة حروبهم.
نشأت جماعة الحوثي بالأساس كجماعة مقاتلة، مسلحة بعقيدة قتالية مسكونة بمزاعم الاصطفاء السلالي والحق المقدس في الحكم، وطبقا لعقيدتها تلك، فهي لا تؤمن بالشراكة مع الآخر أو بالتداول السلمي للسلطة، وهو سبب آخر(جوهري) يفسر تعثر مباحثات السلام معها.
منذ بزغت الحركة الحوثية على الساحة اليمنية لم تكن السياسة ضمن أدواتها في التعبير عن نفسها بقدر ما كان سلوكها المليشاوي العنيف تعبيرا فجاً عنها، وأظهرت نفسها منذ الوهلة الأولى جماعة مقاتلة تحمل ثأرا مع اليمنيين وترفض التعايش معهم وتتخذ العنف والإرهاب وسيلتها الوحيدة لبلوغ مآربها السياسية، التي في سبيلها أدخلت اليمن في دوامة ستة حروب متوالية (يونيو 2004-فبراير2010) ضمن ما يشبه اتفاق سياسي غير معلن مع النظام السابق الذي كانت له هو الآخر أهدافه الخاصة من تلك الحروب.
ظل الحوثيون جماعة عقائدية مغلقة تحترف القتل والاقتتال وتنظر بدونية لليمنيين، ولا ترى لهم حقا إلاَ أن يكونوا منقادين لها وبشروطها هي، ورغم ذلك مدَ اليمنيون أيديهم لها، ودفعوا بها لتعمل معهم ضمن أطر السياسة التي تخشاها وترفضها، عبر مؤتمر الحوار الوطني (2013) ثم عبر اتفاق السلم والشراكة الذي أعقب دخولهم العاصمة وانقلابهم على الشرعية (2014). لكنهم سرعان ما نقضوا عهودهم والتزاماتهم وعادوا إلى دائرة العنف والعمل المليشوي المسلح، معلنين حربا شاملة على اليمنيين، وفشلوا فشلا ذريعا في تأسيس نموذج سياسي يمكن الوثوق به أو التعاطي معه.
ظلت البنية التحتية لجماعة الحوثيين بنية عسكرية مليشوية مقاتلة، تفتقر لأبسط تقاليد العمل السياسي المتحضر، ونتيجة لذلك فشل المبعوثان الدوليان السابقان جمال بن عمر وإسماعيل ولد الشيخ في إقناع الجماعة بالخيار السياسي كطريق أسلم لإعادة ترتيب البيت اليمني طبقا لمصالح الشعب وخياراته. وقد اعترف إسماعيل ولد الشيخ في آخر إحاطة له بمجلس الأمن (28 فبراير 2018) أن الحوثيين هم سبب الأزمة التي تعيشها اليمن، مؤكدا على أنهم غير مستعدين للحل السياسي وأنهم لا يهتمون بمصالح الشعب اليمني.
من المؤسف أن كل مبعوث دولي الى اليمن لا يبدأ من حيث انتهى سلفه بل يصرَ على البدء من نقطة الصفر، ما يعدَ تدليلاً للحوثيين يزيد الوضع سوءاً.
وفيما لا يزال اليمنيون يكابدون مأساة الحرب وتداعياتها الكارثية عليهم وعلى مستقبل أولادهم فإن الحلول المدعومة دولياً لا تبدو مهتمة بحل مشكلة اليمن واليمنيين بقدر ما هي مهتمة بحل مشكلة الحوثيين، على الرغم من كونهم برهنوا للجميع أنهم ليسوا شركاء حقيقيين في السلام.
إن جزءاً كبيراً من أوراق الحل السلمي في اليمن بيد المجتمع الدولي صاحب القرارات الدولية المؤطرة للأزمة اليمنية، وعليه أن يكون أكثر حزما في تطبيق قراراته إن أراد بالفعل إنهاء الأزمة والحرب في اليمن، أما اليمنيون فهم لا يطالبون بأكثر مما جاء في تلك القرارات، وإذا ما بقيت الأطراف الدولية متساهلة مع الحوثيين المعرقلين لعملية السلام فإن الحرب ستطول وتطول معها معاناة اليمنيين، فالحوثيون وفق كل الدلائل والتجارب السابقة غير مستعدين للسلام، وليس ثمة خيارات لديهم سوى الحرب، فإما أن يتدخل الفاعلون الدوليون لحسم هذه المهزلة وإما أن يتركوا للشرعية وجيشها الوطني القيام بتلك المهمة.