الجمعة 29-03-2024 03:31:56 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

من جمعة الكرامة إلى عاصفة الحزم

السبت 18 مارس - آذار 2017 الساعة 06 مساءً / التجمع اليمني للاصلاح - خاص

كتب المحرر السياسي

جمعة الكرامة كانت بحق اول تعميد بالدم للثورة الشبابية السلمية، أشعلت من -حيث لا يدري القتلة-جذوة الثورة الشعبية ودفعت بها إلى اقصى مدى ونقطة اللاعودة.


أراد المخلوع صالح بجريمته تلك إرهاب الثوار ومنعهم من اجتراح فعل ثوري تغييري على نحو ما حدث في بعض دول المنطقة، أراد دفعهم للعودة إلى منازلهم والاستسلام لسلطة الأمر الواقع ونسيان فكرة التغيير من أساسها، أراد القول ان مجرد التفكير بمعارضة نظامه ولو بتلك الصورة السلمية الحضارية أمر مرفوض وغير مسموح به وسيواجه بعنف وإن تطلب الأمر إزهاق الأرواح وإراقة الدماء على مرأى ومسمع من العالم.


برهنت تلك الجريمة البشعة على ان الشعب اليمني لم يكن إزاء نظام سياسي يعرف حدود مسئولياته تجاه شعبه وإنما كان في مواجهة عصابة إجرامية لا تعرف معنى المعارضة ولا تعترف بأدواتها السياسية السلمية، عصابه لا ترى الوطن سوى أنه غنيمة يتعين عدم إهدارها أو التفريط بها، وبالتالي لم يكن المخلوع صالح مستعدا للتنازل بشأن ما اعتبره-وما زال-حقا مكتسبا له، مظهرا استعداده الجامح للذهاب إلى أقصى مدى في قمع الشعب وقهره.
كان المدعو عفاش قد قطع شوطا كبيرا في تقويض النظام الجمهوري الذي جاءت به ثورة 26 سبتمبر ليحل محله نظام عائلي يتلفع بثوب الجمهورية المغدورة، بيد ان ثورة الشعب فاجأته وأربكت حساباته وجعلته يتصرف إزائها بجنون لتنغمس يداه في قتل اليمنيين وتتلطخ بدمائهم، لتكشف جريمته النكراء في جمعة الكرامة أي نظام إجرامي كان يحكم اليمن وأية عقلية إرهابية كانت تختبئ خلف قشرة زائفة من الديمقراطية المصطنعة التي لم تفض إلاَ إلى مزيد من تكريس حكم الفرد المستبد.


كانت العملية السياسية والحوارات التي أجرتها أحزاب المشترك مع عفاش وحزبه قد وصلت إلى طريق مسدود كون المخلوع ظل يناور ويهرب من استحقاقات الحوارات السياسية إلى أن أعلنها صريحة في مجلس النواب حين قرر تصفير العداد وفرض نفسه رئيسا مدى الحياة رغما عن الشعب وقواه السياسية، ما أوصل البلد حينها إلى ذروة الاحتقان السياسي الذي وجد أخيرا متنفسا في حماسة الشباب المتوثب والمتحفز للتغيير فاستطاع ان يصنع ثورة ويجترح التغيير.


لكن القاتل المحترف الذي تسلق السلطة على دماء ضحاياه لم يكن ليسمح لثورة سلمية ان تمضي بسلام إلى غاياتها النبيلة وكان يعترضها في كل الشوارع والساحات متعطشا لدمائها مثخنا فيها الجراح، مدفوعا بنوازع الحقد والانتقام من أولئك الذين تجرأوا على قول ارحل، ولم يكتف المجرم المحترف بمجزرة جمعة الكرامة بل اتبعها بمجازر عدة في صنعاء وتعز والحديدة وعدن وغيرها ضمن سياسة القتل والتنكيل التي اتبعها لإرهاب الثوار، غير مدرك أنه بإمعانه في سفك دماء اليمنيين إنما كان يزيد من لهيب ثورتهم واتقادها ويدفع بجزء كبير من الجيش إلى صفوفها لتأخذ منحا تصاعديا متسارعا.


واستطاع شباب الثورة خلع صالح وإرغامه على ترك السلطة والتوقيع على المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011، وعاد الرجل الى بيته لا ليكتب مذكراته ولكن ليدير دولته العميقة المتغلغلة في كل مفاصل السلطة ومؤسسات الدولة ليفسد على اليمنيين فرحتهم ويعيق الانتقال السلمي للسلطة ويحاصر حكومة الوفاق الوطني بالمشكلات المفتعلة.


نعم ترك المخلوع السلطة صوريا لكنه ظل ممسكا بخيوطها عبر أدواته في الدولة العميقة، واقفا للشعب بالمرصاد حائلا من عبور التغيير.


إن جرائم المخلوع عفاش لم تكن لتقف عند حد سفك دماء اليمنيين وإعاقة ثورتهم وتقويض العملية الانتقالية وتخريبها من الداخل بل تعدت إلى ابعد من ذلك حين ذهب يتحالف مع مليشيا متمردة وعصابة إرهابية ذات سجل حافل بالإجرام ليعملوا سويا على الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب والحكومة التوافقية التي كانوا يحتفظون بأكثر من نصف حقائبها الوزارية، ومضى التحالف الانقلابي مستعينا بعملائه في الجيش العائلي المحايد يُسقط المدن اليمنية وصولا إلى العاصمة صنعاء، فيما المحايدون يتفرجون على سقوط عاصمتهم ورمز شرعيتهم، متخلين في لحظة فاصلة من تاريخهم السياسي عن وطنية زائفة لطالما تشدقوا بها.


إنه لمن المثير للدهشة حقا أن يبلغ الحقد والإجرام بهذا الرجل كل هذا المبلغ، لينتقم من كل شيء، من الإنسان والشجر والحجر، من الثورة وشبابها واحزابها، من الدولة ومؤسساتها، كل شيء في هذا البد صار عُرضة لانتقامه وحقده الدفين، يمعن عفاش وحلفاؤه من الحوثيين بتدمير البلد ونهب مقدراته وتحطيم مؤسساته بصورة لم تشهد لها اليمن مثيلا، لقد أرادوا بلدا محطما وشعبا منهكا لا حول له ولاقوه فاختاروا طريق الحرب والدمار مستأثرين بكل شيء فيما ملايين اليمنيين على شفا المجاعة.


لم يكتف عفاش بان أوصل البلد إلى وضع بئيس بل ذهب لتسليمه كهدية مجانية لإيران واذنابها في اليمن، لذا عندما جاءت عاصفة الحزم لم تكن ثمة دولة او شرعية قائمة في اليمن، كان عفاش وحلفاؤه الحوثيون قد انهوا التوافق السياسي وانقلبوا على الرئيس هادي ووضعوه وحكومته تحت الإقامة الجبرية ورموا مخرجات الحوار الوطني عرض الحائط، بل إن اتفاق السلم والشراكة الذي وضعوه بأنفسهم ووافقت عليه أحزاب المشترك حقنا للدماء ومنعا لانزلاق البلد صوب الفوضى والاقتتال الداخلي انقلبوا عليه قبل ان يجف حبره.


أسقط انقلاب الحوثي صالح صنعاء ومن ورائها اليمن لتكون البلد العربي الرابع الذي يسقط في أيدي النظام الصفوي الإيراني، وذهبوا لملاحقة الرئيس هادي ومحاولة قتله في قصر معاشيق بعدن بعدما نجحوا في وأد الحوار والعملية السياسية وأنهوا حالة التعددية لصالح تحالف ثنائي انقلب على كل شيء. في مثل تلك الأوضاع سارع الأشقاء في التحالف العربي لإنقاذ اليمن وشعبه والحيلولة دون رجوعه إلى عصر الكهنوت أو عودته إلى حضن العائلة ومنع دخوله في فلك طهران التي كانت قد سارعت بإرسال خبرائها وسلاحها لإحكام قبضتها على اليمن وتعزيز دور اذنابها الحوثيين وفرضهم بالقوة على اليمنيين، وهاهم اليوم يسعون بكل ما أوتوا من قوة لتحقيق غايتهم تلك، مصرين على الحرب كقضية وجود بالنسبة لهم، مستفيدين من استمرارها ضمن اقتصاد الحرب الذي يغذي حساباتهم الخاصة بمئات المليارات من الريالات فيما خزينة البلد فارغة وموظفي الدولة بلا رواتب والفقر والمجاعة يفتكان بالناس.


ما الذي يمكن ان يفعله اليمنيون أكثر من ذلك، لقد خرجوا في ثورة سلمية وجنحوا للسلم والشراكة وتحملوا عدوان المخلوع وجرائمه حفاظا على السلم الاجتماعي واستقرار البلد ومنعا لانهياره، لكن ذلك لم يجدِ نفعا معه فعاد ليعلن الحرب وينتقم ويقتل ويدمر ويرتهن البلد لميليشيا إجرامية أذلت الناس وقهرتهم وصادرت حقوقهم وامعنت في تدمير مؤسسات الدولة ونهبها وشرعت في محو معالم الجمهورية لتطمر بذلك هويتنا الوطنية وترهن البلد للأطماع الفارسية، إزاء ذلك كله كان حتما على السلطة الشرعية ان تستعين بأشقائها وجيرانها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه واستعادة الدولة من مغتصبيها، أولئك القتلة والإرهابيين في تحالف عفاش الحوثي الذين دمروا بلدنا وما برحوا يعلنون حروبهم وعدوانهم على اليمنيين منذ جمعة الكرامة وما قبلها إلى يومنا هذا، لذا فلا غرو ان تكون عاصفة الحزم وإعادة الأمل بمثابة امتداد لنضالات اليمنيين ضد الطغيان والاستبداد الذي لا يرى للشعب حقا بقدر ما يراه تابعا ووقود حرب لمغامراته.