فبراير في الجوف ..
يحيى الثلايا
يحيى الثلايا


لم أنتبه بداية الأمر أن الألعاب النارية التي رأيتها الليلة في الجوف تشير لاحتفاء بثورة، وظننته حفل زواج، لكن تناسقها وتعدد مواقعها ومدتها أشار بوضوح لحقيقة شعبية تضيء سواد ليل الربع الخالي وتجعله مشرقاً كالصباح.
زيارتي للجوف الليلة لا علاقة لها بالاحتفالات، لكن مصادفتي لمشهد الألعاب النارية يجعل من الصعب المرور عليه دون تسجيل خواطر، علمت أيضا من مدير الثقافة في الجوف الأستاذ شرف عكة أن السلطة المحلية أوقدت شعلة فبراير الليلة في كرنفال رسمي.
شعلة الجوف لم يوقدها زعيم الجوف وفارسها المهاب أمين بن علي العكيمي، فالرجل يمضي لياليه في الصحراء يوقد شعلة أخرى في وجوه وأحشاء أعداء فبراير وسبتمبر، وشعلته هناك حقيقة لا كرنفال.
بعيداً عن كل الرسميات والمناصب، يقول مدير الثقافة أن إيقاد شعلة الجوف تم على يد طفلين من أبناء الشهداء الذين رووا بدمائهم أرض الجوف..
يا الله .. أي قصص غدا اليمنيون ينسجونها؟! ما هو الأمر والسلطة التي دفعت اناسا مقصيين في الجوف ومحرومين ثم يشاهدهم العالم بهذا الإدهاش، هي عظمة الأمة اليمانية التي حال دون رؤيتها غبار التاريخ ونفايات البشر.
عاد بي التاريخ للوراء، في يناير 2012م وفي صنعاء أجريت حوارا نشرته صحيفة الأهالي مع رجل يماني بسيط وشامخ، كانت البلاد حينها تتجه لانتخاب المشير هادي رئيسا للجمهورية وكان ثمة من يحرص على إعاقة التغيير.
أحمد محسن نجدة، رئيس تنفيذية أحزاب المشترك ورئيس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح في الجوف، ناشد في ذاك الحوار كل المعنيين بإتاحة الفرصة لأهل الجوف للمشاركة في التغيير وانجاز تطلعاتهم، آنذاك أعلنت جماعة الحوثي نيتها منع الاقتراع في مناطق تسيطر عليها واستجاب لذلك الحقد جماعة صالح، إذ قررت وحدات الأمن المكلفة بتأمين الانتخاب التخلي عن مهمتها وكل ذلك بغرض إعاقة انتخاب هادي.
عبر الإعلام ناشد أحمد نجدة أهل الاختصاص عدم الاستماع لأعداء التغيير، معلنا استعداد أبناء الجوف حماية الانتخابات وإنجاحها وتسجيل صورة مدنية راقية خلافا لما زيفه المرجفون عن هذه الأرض الغالية.
لاحقاً، قتلت جماعة الحوثي هذا الفارس الشجاع "أحمد محسن نجدة" في حربها مع اليمنيين وما أكثر رجالات الجوف الذين سيحفظ التاريخ قصص استشهادهم لأجل اليمن الجمهوري الكبير.
حين ثارت ساحات الحرية والتغيير سلميا في المدن الكبيرة، كانت الأنظار تتجه نحو المحافظات القبلية والبدوية التي اعتادت السلاح وتم تصوير أهلها بصورة الوحوش والمجرمين.
ثارت الجوف سلميا وأدهشت العالم، اختار رجال قبيلة دهم العريقة السلم والاعتصامات عن قناعة وواجهوا عنترة النظام ورصاص بلاطجته بترديد هتاف: سلمية سلمية، رغم أن سلاحهم فوق أكتافهم.

فكّر نظام صالح أن يلجأ للوقيعة، هربت دولته فجأة من الجوف وفر المحافظ يحيى غوبر الى صنعاء حاملا ختم الدولة متوقعا الاقتتال، سارع أهالي الجوف لحراسة المؤسسات الحكومية وممتلكات الدولة، حرسوا البنك المركزي أشهر متعاقبة لم يأخذوا من خزينته فلساً في حين أن صالح وجه غوبر بقطع مرتبات موظفي الجوف، ووجه انقلابي صعدة فارس مناع باستمرار صرف مرتبات دولة ابن رسول الله.
كان غوبر وصالح وأشباههم يصورون ثوار الجوف وحوش ويفرشون لفلول الإمامة خدودهم وكرامتهم حتى تم إسقاط الوطن، وفي نهاية الفيلم يظهر يحيى غوبر بجوار أبو علي الحاكم ليشهد على خطايا رفيقه ونديمه صالح ويبرر لهم مقتله في نهاية مروعة لتحالف بقايا الإمام والنظام المشبوه. وحين تمكنت جماعة الحوثي من دماء صالح حليفها في التنكيل بالجوف وأهلها، لم يخرج أحد من هذه القبائل الكهلانية الأصيلة متشفيا او معايرا وذلك شأن الكبار.

كم في ذاكرتنا من أوجاع نقشتها الإمامة بدمائنا، لكن هذه الأوجاع لا يشفيها سوى هذه النفحات اليمانية التي تظهر حين يظن اللصوص أنهم أضحوا كبارا.
يحق لنا أن نفخر بفبراير كما نفخر بالجوف، وكل مناطقنا وأهلنا وآن لنا أن نعيد لتاريخنا الاعتبار ونمحو عنه زيف وتدليس الكهنوت.

السلام عليك يا أرض الجوف، وعلى أبنائك الأباة من قبيلة دهم الأحرار، التحية والخلود لأرواح الأبطال التي انطلقت من هنا ثائرة او استقرت شهيدة، السلام عليك أيتها الأرض التي سكب عليها العملاق الخالد محمد محمود الزبيري روحه الدامية، واستمر على سيرته أحفاده الأحرار وبينهم أرواح أقاربي الطاهرة مختار وخليل وحذيفة الثلايا.
السلام على موطن ينتمي إليها القائد عبدالله جزيلان واحمد نجدة وأبناء عافية والعبادي وكل اليمانيين من أبناء سبتمبر وأكتوبر وفبراير الذين اختاروا ثرى الجوف مرقدهم الأخير.


في الأحد 11 فبراير-شباط 2018 01:49:52 ص

تجد هذا المقال في موقع التجمع اليمني للإصلاح
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://alislah-ye.net/articles.php?id=310