الثلاثاء 19-03-2024 07:20:12 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار
قراءة في كتاب "عملاق في سجون الاقزام"
بقلم/ فهد سلطان
نشر منذ: 6 سنوات و 7 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 02 أغسطس-آب 2017 09:32 م

صدر حديثاً عن منتدى الفكر الإسلامي بتعز "الإصدار 10"؛ كتاب جديد يتناول حياة وفكر ونضال الأستاذ محمد قحطان، القيادي الأبرز في حزب التجمع اليمني للإصلاح، والشخصية السياسية المعروفة والمغيب في سجون الانقلابين بصنعاء منذ ابريل/ شباب 2015م.


الكتاب من القطع المتوسط ويقع في 200 صفحة وشارك في إعداده عشرة من الكتاب والمثقفين اليمنيين.


ويتضمن الكتاب ستة فصول, تناولت حياته وفكره ونضاله في مواجهة النظام السابق، وحالة التنوير التي تلبس بها قحطان، ومستوى الفكر العميق الذي عرف به وعنه.


الجميل الذي سيُلاحظ بوضوح في حياة محمد قحطان هو التوجه القيمي؛ فالشخص لا يتعامل مع السياسة بمنطق المصالح الآنية الشخصية النفعية, وإنما بمنطق المصالح التي تعود نفعها بالمجتمع في المقام الأول, وهنا لم يقدم قحطان نفسه كسياسي يكسب لمصالحه الشخصية كما يفعل الكثير, فقد كانت مواقفه السياسية تقول غير ذلك تماماً؛ كون المواقف التي وقفها كانت عرضة لأن يخسر الكثير ومنها حياته.. وهنا كان الرجل يقدم حق الناس وحق المجتمع ويقدم نفسه السياسي الذي يدافع عن حق الناس بلا مواربة, في ضبط واضح لمستوى الفعل السياسي والقيمي الذي آمن به وعاش عليه واستمر طيلة حياته متمسك به حتى آخر لحظة.


يمكن القول أن قحطان من الشخصيات الفريدة وهي من الندرة بمكان في حياة الشعوب, من يتخذ من المواقف السياسية فرصة لتنمية الوعي السياسي لدى الناس داخل المجتمع متخذاً من التدرج آلية ومن العمل السياسي منهجاً ومن استيعاب اللحظة السياسية أساساً نظرياً للانطلاق نحو الأهداف الكبيرة.


قحطان يرفض فكرة القطيع إلى جانب مصطلحات الدهماء والجهلة والغوغاء، وهي ما توسع الهوة بين المفكرين والناس، فيما كان قحطان حالة خاصة حاول أن يجسر تلك الهوة ويقدم خطاباً يفهمه الجميع، ويكون قريباً من الناس, ولذلك نجد أن الجميع بمختلف شرائحهم وأعمارهم وتياراتهم يفهمون خطاب قحطان ويشعرون أنه يتحدث عنهم.


قحطان لم يقدم نفسه مدافعاً شرساً عن الحزب الذي يمثله، ولا كان ذلك خطابه, وقرب الناس منه واحترم خصومه له كان بسبب أن هذا الرجل اتخذ من الحزب والموقع الذي هو فيه مكاناً لخدمة مجتمع بكل السبل والطرق التي تيسرت له؛ فهو المفكر الذي كان له إسهام بارز في تنشيط وتجديد رؤى داخل الحزب, إلى جانب تنشيط وتجديد الحالة السياسية بشكل عام خارج وداخل الحزب أيضاً.


مما يميز قحطان عن غيره بعده نظره؛ فكثير من القضايا التي كان يطرحها باكراً كان الكثير يعدها ترفاً فكرياً، فيما كان الرجل يدرك جيداً أن اللحظة مناسبة ومواتية، وأن التأخير سيكون له ثمن, وهو ما يجري في هذه الأثناء.


عرف عن قحطان إيمانه بالدولة الوطنية، ورفض الانتماء العابر للحدود، وكان له موقف من الاستغلال السياسي لبعض الشعارات الدينية من قبيل "الإسلام هو الحل"، والذي عارض الفكرة، وقال إن المواطن بحاجة إلى برنامج سياسي متاح وليس الى شعارات, وكان له مواقف كثيرة من المناطقية والسلالية والدعوات التي هي ما قبل الدولة أو ما كان يطلق عليها "المشاريع الصغيرة" تظهر عندما تتلاشى الدولة.


يبدأ الفصل الأول في تناول سيرته الذاتية، والتي تناولت الكثير مما لم يكن معروفاً من خلال تتبع تفاصيل ومعلومات يمكن القول إنها تنشر لأول مرة.
وفي الفصل الثاني تم التركيز على جمع شهادات لمقربين عن شخصية الأستاذ قحطان، وهي الصورة التي ستكشف عظمة هذا الإنسان، وكيف أن تلك الشذرات التي كان يخرج بها إلى الإعلام كانت على أساس متين من القيم والمبادئ والأخلاق التي أحس بها اقرب الناس إليه.


في هذا القسم تكتمل الصورة بين السياسي البارع والحاذق محمد قحطان وبين الأب والأخ والصديق والزوج والأستاذ، وهي الجوانب التي تكون مشاعة على جانب محدود, وهي حالة نادرة للعظماء في عملية التناغم بين الأقوال والأفعال, بين ما يدعو إليه الشخص وبين ما يمارسه, بين المعلن وبين الخفي.


جاء الفصل الثالث: ليتناول الجانب المكشوف في حياة الأستاذ قحطان, وهي الحالة التي شاهدها الناس من حوله وعاشوا تفاصيلها لسنوات, جمعها الناس عن الأستاذ وهم يشاهدون سياسياً مخضرماً يتحدث بتحدي حين يجبن الناس, ويقارع الظلم والفساد والعبث بكلمات تلهب قلوب الناس وتعيد رسم البوصلة التي حاول النظام أن يؤثر على شوكتها.


لقد حاول النظام السابق أن يهرب من المسؤولية ويرمي بها بعيداً فيما كان السياسي محمد قحطان يومئ بأصبعه نحو مكامن الفساد والعبث في تحدٍ لا مثيله له, وبل وينقل الكثير قصص وطرائف عن رأس النظام والذي كان يخشى من قحطان دائماً ويسبب له أزمة نفسية بسبب القوة والصراحة والشجاعة في مواجهته, ما يجرح الكثير أن الاختطاف والإخفاء كان جزءاً من الانتقام؛ حيث حانت الفرصة التي انتظرها النظام لعقود.


ما يلفت النظر هو حجم الوعي لدى الذاكرة الجمعية عند الناس والمجتمع, وما يحتفظون به من قصص ومشاهد ورموز عن شخصية الثائر الأول قحطان, وهي حالة تعكس مستوى التفرد التي تربع عليها قحطان وكيف أن المجتمع -مع مرور الوقت- يتطور في مستوى الوعي خلافاً لما كان يحلم به النظام ويصوره للعالم.


في الفصل الرابع كان الأمر مختلف بعض الشيء, وهنا كانت الشهادات للشركاء, للشخصيات السياسية والفكرية من أغلب التيارات السياسية في البلاد, والتي عمل معها قحطان في معترك العمل السياسي, فقد اتفق معها واختلف تشاجر معها وتصالح ولم يغير ذلك من سلوكه ولا من قيمه ولا من ثوابته التي كانت أساس متين لا تغرف التغيير ولا التبديل.

 -------------------

الكتاب من إعداد منتدى الفكر الإسلامي